ابن هاني: من أوغاريت إلى بيزنطة موقع أثري يكشف عن كنوز الماضي
تقع مدينة ابن هاني الأثرية على الساحل الشمالي من مدينة اللاذقية، وتعد واحدة من أبرز المواقع التاريخية في المنطقة. اكتشف هذا الموقع في عام 1975، ويحتوي على سويات أثرية تعود إلى العصور القديمة، من القرن الرابع عشر قبل الميلاد وحتى العصور البيزنطية. تحكي آثار هذه المدينة قصة حضارة عريقة نشأت على ضفاف نهر الصابون، حيث كانت مركزاً تجارياً وثقافياً وعسكرياً هاماً عبر العصور. من خلال الحفريات الأثرية التي أجريت في الموقع، تم الكشف عن قصور مهيبة، ومنشآت تجارية، وأبنية دفاعية، مما يبرز الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لهذه المدينة في العصور القديمة. انضم إلينا في رحلة استكشافية لاستكشاف أسرار ابن هاني، واكتشاف التاريخ الغني الذي يسكن كل زاوية من زوايا هذه المدينة الساحلية العريقة.
التخطيط العمراني واكتشافات القرن الثالث عشر قبل الميلاد
يقع موقع ابن هاني في المنطقة الساحلية، على بعد 10كم شمال مدينة اللاذقية، ويمتد من الشرق إلى الغرب على مسافة 3 كم تقريباً، اكتشف في سنة 1975 م وأجريت الحفريات فيه بين سنتي 1978ـ 1983 م.
يتضمن الموقع سويات أثرية تعود إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد معاصرة للمملكة الأوغاريتية، وقد أنشئت المدينة خلال هذه الفترة وفق مخطط عمراني منظم، وبلغت أبعاد المدينة حوالي كيلو متراً واحداً طولاً، ونصف كيلو متراً عرضاً، واكتشف في الموقع قصران يعودان إلى القرن الثالث عشر مبنيان وفق أسلوب واحد من حيث التخطيط ومواد البناء، أحدهما القصر الجنوبين تبلغ مساحته 5000 متراً مربعاً تقريباً، تتوسطه باحة كبيرة محاطة بالغرف والممرات تبلغ أبعادها حوالي 17 × 11م، وفيها بركة من ماء، كما تم بناء سور دفاعي في الجهة الشرقية منه. أما القصر الشمالي فمشابه للجنوبي، كشف فيه أكثر من مئة رقيم مسماري محرر بالأبجدية الأوغاريتية والأكادية – البابلية، تحوي مراسلات داخلية ومراسلات بين الممالك، إضافة إلى النصوص الدينية والاقتصادية واللغوية.
الأهمية الاقتصادية والدور التجاري
كما تم الكشف عن منشأة لصب سبائك البرونز والنحاس التي كانت تستخدم لأغراض تجارية، بالتالي يشكل هذا الاكتشاف أهمية كبيرة على الصعيد الاقتصادي خلال العصور القديمة، وما يزال الغموض يكتنف اسم الموقع خلال فترة مملكة أوغاريت إن كانت هذه المدينة هي نفسها مدينة آفو الكنعانية أو كان اسمها أوغاريت البحر (يم).
التحولات التاريخية والمعمارية
تعرضت هذه المدينة إلى الدمار بسبب هجوم شعوب البحر على المنطقة في نهاية القرن الثالث عشر، ولكن أعيد إليها الاستيطان خلال فترة الحديد بين 1200 و 900 قبل الميلاد، دلّ على ذلك ما تم العثور عليه من الفخار والقطع الأثرية والكشف عن منزلين كبيرين فوق القصر الشمالي يعودان إلى هذه الفترة. كما تم الكشف عن آثار تعود إلى فترة الحكم الفارسي لسورية بين 539 و 333 قبل الميلاد لكنها غير واضحة، وآثار من العصر الهلنستي من الفترة الواقعة بين منتصف القرن الثالث قبل الميلاد تحت سيطرة الحكم البطلمي بيد الملك بطليموس الثالث أثر الحرب السورية الثالثة، الذي قام بتحصين أسوارها بالأبراج المربعة الشكل وعلى شكل حرف U، كما زود المدينة بشبكة مياه. إلا أن الملك السلوقي أنطيوخوس الثالث سيطر على هذه المنطقة فيما بعد، وبنى قلعة في الزاوية الشمالية الشرقية من الموقع، لكن تعرضت هذه القلعة إلى تدمير خلال العصر الروماني، وأما سوية سطح التل فتعود إلى العصرين الرماني المتأخر والبيزنطي.
بنيت المدينة خلال العصر الهلنستي وفق مخطط عمراني منتظم قائم على نظام شبكي (شطرنجي)، وضمت معالم معمارية رئيسة، لا سيما تحصيناتها المنيعة كالقلعة الواقعة في الزاوية الشمالية الشرقية منها والسور المبني من الحجارة الضخمة الذي يفترض أنه شيد على اساسات هلنستية تميل إلى الانحراف في بعض أجزائها نتيجة عدم الاستواء في طبيعة الرض وأمكن من خلالها إعطاء صورة واضحة عن طبيعة التحصينات الدفاعية التي أقيمت في المدن خلال القرن الثالث قبل الميلاد، كما كشفت آثار أبنية أخرى كانت قليلة كالمنازل وجزء من شبكة مياه المدينة ومعبد…الخ.
هجرت المدينة بعد خمسين سنة من تأسيسها واستمر الهجران حوالي ثلاثة قرون بسبب طغيان البحر على القسم الشرقي من الموقع بين أواخر القرن الأول قبل الميلاد حتى مطلع القرن الرابع الميلادي، وعاد الاستيطان إليه من خلال بناء بلدة تعود إلى العصر البيزنطي، وقد تم الكشف عن مقبرة من هذه الفترة تحتوي على الكثير من الفخاريات واللقى الأخرى من الحلي والنقود… الخ.
أما المباني المعمارية من هذه الفترة فهي متمثلة بالمباني السكنية المبلطة باللوحات الفسيفسائية.
نهاية المدينة وزلزال عام 528 م
استمرت المدينة مزدهرة حتى تعرضت للدمار بسبب زلزال ضرب المنطقة في عام 528 م خلال عهد الإمبراطور البيزنطي جوستينيانوس، مما أدى إلى نهاية فترة ازدهارها. وبالرغم من ذلك، تظل ابن هاني موقعاً أثرياً مهماً يعكس تاريخاً حافلاً بالتحولات والأحداث التي شكلت وجه المنطقة الساحلية الشمالية من سوريا عبر العصور.
استكشاف هذا الموقع الأثري يمنحنا فهماً أعمق للحضارات القديمة وتطوراتها المعمارية والاقتصادية، مما يجعله وجهة مميزة لعشاق التاريخ والآثار. انضم إلينا في رحلة استكشافية لتعرف المزيد عن أسرار هذه المدينة الساحلية العريقة واكتشافاتها المثيرة.
خاتمة
على مر العصور، كانت مدينة ابن هاني شاهداً على تطور الحضارات والتغيرات الجغرافية والسياسية في المنطقة الساحلية الشمالية من سوريا. من تأسيسها خلال العصور الأوغاريتية، مروراً بالاحتلال الفارسي، الهيمنة الهلنستية، وصولاً إلى الفترة البيزنطية، تعكس هذه المدينة تاريخاً غنياً ومعقداً مليئاً بالتحولات. الكشف الأثري الذي أزال النقاب عن قصورها الفخمة، ومواقعها الدفاعية، ومنشآتها التجارية، يقدم لنا لمحة عن الحياة التي ازدهرت هنا قبل آلاف السنين. اليوم، تستمر ابن هاني في إلهام الباحثين والزوار على حد سواء، كرمز للتراث الثقافي والإنساني الذي لا يزال ينبض بالحياة بين أنقاضها. زيارة هذا الموقع المميز تتيح لنا فرصة فريدة لاستكشاف أعماق التاريخ وفهم الروابط التي تجمع بين ماضي وحاضر المنطقة. في النهاية، تظل ابن هاني نقطة ضوء تضيء لنا الطريق نحو فهم أعمق للتاريخ البشري والحضارات التي شكلت عالمنا.
الأسئلة الشائعة
- أين تقع مدينة ابن هاني الأثرية؟
- تقع مدينة ابن هاني الأثرية على الساحل الشمالي من مدينة اللاذقية، على بعد 10 كم تقريباً.
- متى تم اكتشاف موقع ابن هاني؟
- تم اكتشاف موقع ابن هاني في عام 1975 م، وتم إجراء الحفريات فيه بين عامي 1978 و1983 م.
- ما هي الفترات الزمنية التي تعود إليها السويات الأثرية في ابن هاني؟
- تعود السويات الأثرية في ابن هاني إلى العصور القديمة، من القرن الرابع عشر قبل الميلاد وحتى العصور البيزنطية.
- ما هي أهمية مدينة ابن هاني في العصور القديمة؟
- كانت مدينة ابن هاني مركزاً تجارياً وثقافياً وعسكرياً هاماً خلال العصور الأوغاريتية والهيلنستية والرومانية والبيزنطية.
- ما هي أبرز الاكتشافات في موقع ابن هاني؟
- من أبرز الاكتشافات في موقع ابن هاني: القصور الفخمة، منشآت تجارية، أبنية دفاعية، ومنشأة لصب سبائك البرونز والنحاس.
- ما هو الدور الاقتصادي لمدينة ابن هاني في العصور القديمة؟
- كانت مدينة ابن هاني مركزاً تجارياً هاماً بفضل منشآتها لصب سبائك البرونز والنحاس واكتشاف الرقيمات المسمارية التي تحوي مراسلات تجارية.
- كيف تأثرت مدينة ابن هاني بهجوم شعوب البحر؟
- تعرضت المدينة للدمار بسبب هجوم شعوب البحر في نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ولكنها شهدت إعادة استيطان خلال فترة الحديد.
- ما هي التحصينات الدفاعية التي بُنيت في ابن هاني خلال العصر الهلنستي؟
- بُنيت المدينة وفق مخطط شبكي وضمت تحصينات منيعىة تشمل أسواراً وأبراجاً مربعة الشكل، وزودت بشبكة مياه.
- ما هي آثار العصر البيزنطي المكتشفة في ابن هاني؟
- تم الكشف عن مقبرة تحتوي على العديد من الفخاريات والحلي والنقود، ومباني سكنية مبلطة باللوحات الفسيفسائية من العصر البيزنطي.
- ما هو تأثير زلزال عام 528 م على مدينة ابن هاني؟
- أدى زلزال عام 528 م خلال عهد الإمبراطور البيزنطي جوستينيانوس إلى تدمير المدينة، مما أدى إلى نهاية فترة ازدهارها.