إطلاق تحالف المواطنة تماسك: مشهد سياسي جديد يلوح في الأفق السوري

في سياق تحولات سياسية متميزة، شهدت الساحة السورية إطلاق مبادرة “تحالف المواطنة السورية المتساوية” تحت اسمه المختصر “تماسك”، وذلك خلال فعالية إعلانية رسمية جرت في دمشق بتاريخ 22 آذار/مارس 2025. وجاء الإعلان عن هذا التكتل في مرحلة حساسة تسعى خلالها مكونات المجتمع السوري لرسم ملامح مرحلة ما بعد الأزمات الطويلة، مع تركيز واضح على ترسيخ مبدأ المساواة الوطنية كحجر أساس لإعادة البناء الاجتماعي والسياسي.
تم الكشف عن البيان التأسيسي للتحالف في مؤتمر إعلامي انعقد عند السادسة مساءً، بمشاركة 35 تنظيمًا سياسيًا ومجتمعيًا متنوعًا، من بينها “مجلس سوريا الديمقراطية” الذي يعدّ مشاركته رمزيةً لافتة نظرًا لتأثيره البارز في المشهد السوري وخصوصًا في المناطق الشمالية الشرقية. تعكس هذه التحالفات اتساع رقعة الدعم لهذا المشروع الذي يسعى لخلق إطار جامع يعبر عن تطلعات فصائل متعددة نحو تعزيز الهوية الوطنية المشتركة.
يُبرز التنوع الكمي والنوعي للأعضاء المؤسسين قدرة المبادرة على تجسير الفجوات الجغرافية والسياسية، فيما تُعتبر مشاركة كيان ذي خلفية إقليمية محددة – مثل المجلس المذكور – مؤشرًا على النهج التضميني الذي يتبناه التحالف. يأتي هذا التحرك في إطار مساعي متعددة المستويات لبناء أرضية تفاهم بين المكونات السورية، مستندًا إلى مفهوم “المواطنة غير المنقوصة” كبديل عن الانتماءات الفرعية التي تفاقمت خلال سنوات الأزمة.
نشر الحساب الرسمي لتحالف “المواطنة السورية المتساوية” (تماسك) على منصة فيسبوك قائمة بالكيانات الموقعة على بيانه التأسيسي، والتي تضم: جبهة التغيير والتحرير، مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، التيار الثالث لأجل سوريا، حزب الإرادة الشعبية، حركة التجديد الوطني، تيار مواطنة، تجمع التشكيليين السوريين المستقل، المبادرة الوطنية في جبل العرب، مركز المواطنة المتساوية، تجمع سوريا الديمقراطية، حزب التحالف الوطني الديمقراطي السوري، حركة التغيير الديمقراطي، ملتقى الحوار الوطني، حزب البعث الديمقراطي، حركة الشغل الديمقراطي، حزب العمل الشيوعي، تجمع شباب سوريا الأم، الطريق الوطني السوري، تجمع الشباب الديمقراطي، حزب الشباب الوطني السوري، حزب التضامن العربي الديمقراطي، التيار المدني الديمقراطي، النادي التفاعلي صحنايا، حزب الانتماء السوري الديمقراطي، تجمع مواطنة، الحركة الشبابية السياسية، حركة تمكين، وتيار طريق التغيير السلمي.
تتنوع طبيعة الكيانات المدرجة في القائمة بين أحزاب ذات تاريخ في العمل السياسي السوري، وحركات تعكس توجهات فكرية محددة، وتجمعات تمثل قطاعات متنوعة من المجتمع المدني. يُلاحظ أن القائمة تشمل كلاً من “جبهة التغيير والتحرير” و”مجلس سوريا الديمقراطية”، ما قد يعكس محاولة لدمج أطراف معارضة مختلفة ظهرت خلال سنوات الصراع. كما تضم القائمة إلى جانب الأحزاب والحركات المعروفة، عددًا من التجمعات والتيارات الحديثة التشكيل، مما يشير إلى مزيج بين منظمات سياسية مؤسسية ومبادرات مجتمعية حديثة.
من بين العناصر البارزة في القائمة مشاركة “حزب الإرادة الشعبية” الذي يرأسه قدري جميل، وهو نفسه شخصية قيادية في “جبهة التغيير والتحرير”، ما قد يوحي بوجود تداخلات في التحالفات ضمن التكتل الجديد. كما تلفت الانتباه مشاركة كيانات مثل “حزب الشباب الوطني السوري” (الذي حصل على ترخيص رسمي خلال فترة النظام السابق) و”حزب الانتماء السوري الديمقراطي”، وهو ما قد يُفسر كخطوة نحو إشراك أطراف عملت في سياقات سياسية متباينة تاريخيًا.
قائمة الكيانات المشاركة في “تماسك“
جبهة التغيير والتحرير | مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) | التيار الثالث لأجل سوريا | حزب الإرادة الشعبية |
حركة التجديد الوطني | تيار مواطنة | تجمع التشكيليين السوريين المستقل | المبادرة الوطنية في جبل العرب |
مركز المواطنة المتساوية | تجمع سوريا الديمقراطية | حزب التحالف الوطني الديموقراطي السوري | حركة التغيير الديمقراطي |
ملتقى الحوار الوطني | حزب البعث الديمقراطي | حركة الشغل الديمقراطي | حزب العمل الشيوعي |
تجمع شباب سوريا الأم | الطريق الوطني السوري | تجمع الشباب الديمقراطي | حزب الشباب الوطني السوري |
حزب التضامن العربي الديمقراطي | التيار المدني الديمقراطي | النادي التفاعلي صحنايا | حزب الانتماء السوري الديمقراطي |
تجمع مواطنة | الحركة الشبابية السياسية | حركة تمكين | تيار طريق التغيير السلمي |
أهداف تحالف تماسك
يركز “تحالف المواطنة السورية المتساوية” (تماسك) في مرحلته الحالية على تعزيز التماسك الوطني بين المكونات السورية، وذلك في ظل الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد. وقد أعلن التحالف عن جملة من المبادئ الاستراتيجية التي ينوي التركيز عليها، ومن أبرزها السعي لإرساء نظام إداري لامركزي، إلى جانب الدعوة لتنظيم مؤتمر وطني يستند مرجعيته إلى القرار الدولي رقم 2254، بهدف إعادة التوحيد الترابي للبلاد وبناء أسس مستقبل مستقر.
من الناحية الأمنية، يتبنى التحالف رؤية تقوم على “توحيد المؤسسة العسكرية تحت راية وطنية واحدة، مع حصر وظيفتها في الدفاع عن الحدود وضمان الحياد السياسي للقوات المسلحة”. كما يعطي أولوية لـ”تعزيز السلم المجتمعي عبر مواجهة الخطابات التعبوية، ومنع التحريض على أساس طائفي، إلى جانب الاعتراف الرسمي بالانتهاكات السابقة كشرط أساسي لتحقيق مصالحة تاريخية”.
على الصعيد الاقتصادي، يطرح التحالف خطة إنقاذ تعتمد على “تحفيز الاقتصاد المحلي عبر التركيز على القطاعات الإنتاجية (زراعة وصناعة)، مع العمل على تخفيف الآثار الإنسانية للعقوبات الدولية دون اعتبار رفعها شرطاً مسبقاً للتنمية”. ويشدد على ضرورة “إعادة هيكلة النظام الاقتصادي لتحقيق توازن بين النمو والعدالة الاجتماعية، مع الاستفادة من الكفاءات المحلية”.
فيما يخص القضايا الإقليمية، يضع التحالف “استعادة الجولان المحتل” على رأس أولوياته الخارجية، بينما يدعو داخلياً إلى “إيجاد حل تفاوضي للقضية الكردية ضمن الإطار الدستوري السوري”. كما يولي اهتماماً خاصاً لـ”تعزيز دور الفئات المجتمعية مثل المرأة والشباب في العملية السياسية”.
من الناحية الإجرائية، يقترح التحالف آلية عمل تقوم على “حوار شامل مع كافة الأطراف الفاعلة، بما فيها الحكومة السورية الحالية، تمهيداً لإعداد دستور جديد يضمن المساواة القانونية الكاملة”. وتتمحور رؤيته النهائية حول “إقامة كيان سياسي ديمقراطي يضمن التعددية الفكرية ويحفظ التنوع المجتمعي”.
تشير هذه المحاور إلى محاولة التحالف الجمع بين أولويات متعددة: الحفاظ على الوحدة الجغرافية مع تبني اللامركزية الإدارية، والمطالبة بالعدالة الانتقالية مع تجنب الانزلاق نحو المحاسبة الانتقائية، والتركيز على التنمية الذاتية مع عدم التخلي عن المطالبة برفع العقوبات. يعكس هذا النهج محاولة لموازنة المطالب الشعبية مع الواقع السياسي القائم، مع الحفاظ على خطاب موجه لكافة الشرائح المجتمعية دون استثناء.
ظروف الإعلان
برز إعلان تشكيل تحالف “تماسك” ضمن سياق تحوّلي تشهده الساحة السياسية السورية. ففي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، دخلت البلاد مرحلةً جديدةً بعد انتهاء حقبة حكم امتدت خمسة عقود، تخللتها تبعات مادية وبشرية واسعة النطاق. عقب هذه التغييرات، أعلن أحمد الشرع – بوصفه قائد الإدارة الانتقالية والقائد العام للعمليات العسكرية – تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة الملفات اليومية حتى مارس/آذار 2025، مع إجراء تعيينات في الهياكل الإدارية والأمنية، وذلك تمهيداً لانعقاد مؤتمر حوار وطني.
ضمن هذا الإطار، تنظر القوى المنضوية تحت مظلة التحالف – بناءً على سلسلة لقاءات تشاورية في دمشق استمرت ثلاثة أشهر – إلى المرحلة الحالية كفرصة لاستعادة روح “الثورة السورية الكبرى” التي تجاوزت الانقسامات لتحقيق شعار “الوطن للجميع”. يُركز التحالف على ضرورة “تضافر الجهود بين جميع المكونات السورية بغض النظر عن انتماءاتها”، مع وضع أولويات تتمثل في “ترسيخ الوحدة الوطنية وبناء مؤسسات تعكس التنوع المجتمعي”.
يشير تبني التحالف لقرار مجلس الأمن رقم 2254 إلى توافق مع المسار الدولي الداعم لحل سياسي يشمل مرحلة انتقالية، ووضع دستور جديد، وإجراء انتخابات تحت إشراف دولي. كما يُلاحظ تركيزه على تجاوز الانقسامات “ما قبل الوطنية” التي ساهمت – بحسب رؤيته – في تأجيج الأزمة السورية.
يأتي تشكيل التحالف قبيل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني كخطوة تهدف إلى التأثير في أجندة المفاوضات وضمان تمثيل أوسع للقوى الفاعلة. يُبرز التحالف – الذي يضم تيارات علمانية وكردية – سعياً لبناء كيان سياسي يعتمد على “الحوار المسؤول” كآلية لحل الخلافات، مع رفض تصنيف نفسه ضمن خانة “المعارضة” أو “الموالاة” لضمان حيادية دوره.
من بين أبرز أهداف التحالف المعلنة: السعي لـ”دولة مدنية تضمن التعددية السياسية”، و”معالجة القضية الكردية عبر حلول دستورية”، و”تعزيز السلم الأهلي بمحاربة خطاب الكراهية”، و”إعادة هيكلة الجيش كمؤسسة وطنية محايدة”. كما يُولي أهمية لـ”إشراك المرأة والشباب في العملية السياسية”، ويدعو إلى “اعتماد نموذج اقتصادي يعالج الفقر المدقع عبر تفعيل القطاعات الإنتاجية”.
ماذا يمثل هذا التحالف
يُعتبر انضمام كيانات مثل “مجلس سوريا الديمقراطي- مسد” – الذي وقّع اتفاقاً مع السلطة الانتقالية – دليلاً على محاولات توحيد الجهود لإعادة الإعمار. يُتوقع أن يلعب التحالف دوراً محورياً في الضغط نحو تسريع الإصلاحات الدستورية، والتحضير لانتخابات تضمن انتقالاً ديمقراطياً، مع الحفاظ على خطاب موازن بين المطالب المحلية والالتزامات الدولية.
رغم التطلعات التي يرسمها بعض المراقبين حول تحالف “تماسك”، تبرز مجموعة من التحديات العملية التي قد تعترض مسيرته. يأتي في مقدمة الملاحظات النقدية “عدم وضوح الإطار التنفيذي لآليات العمل”، و”غياب تفاصيل كافية حول منهجية التفاعل مع السلطة التنفيذية”. يضاف إلى ذلك أن الموقف الرسمي من المبادرة ما زال غامضاً، خاصة بعد تصريح أحد ممثلي التحالف بأن أنشطته التشاورية جرت دون تصريح رسمي من الجهات الحكومية.
من جهة أخرى، يُبدي التحالف تحفظات على بنود في الإعلان الدستوري الحالي، لا سيما تلك المتعلقة بتمديد الفترة الانتقالية. تُشير التوقعات إلى أن مؤتمر الحوار الوطني المقبل سيواجه عوائق مرتبطة بـ”انعدام الثقة المتبادلة بين الأطراف”، و”التسرع في ترتيبات تقاسم الصلاحيات”، و”التداخل بين المصالح الإقليمية والدولية”، حيث سترتبط نجاحاته بمدى “مرونة الإدارة الحالية في التعامل مع الملفات الخلافية”.
يثير غياب خطة عمل مفصلة للتحالف مخاوف من احتمال “تصاعد خلافات داخلية بين مكوناته المتعددة”، مما قد يعيق تقديم رؤية موحدة أو تنفيذ مشاريعه بشكل فعّال. من ناحية أخرى، يطرح الوضع القانوني للتحالف علامات استفهام حول “مدى التعاون المتوقع مع الحكومة المؤقتة”، خاصة في ظل غياب إطار تنظيمي واضح للتعاون المشترك.
تُنبئ التحفظات المعلنة حول الإعلان الدستوري بوجود “تباينات فكرية بين مكونات التحالف والقيادة الانتقالية”، قد تؤدي إلى صعوبات في التوصل إلى تفاهمات حول قضايا مصيرية مثل “آليات الانتقال السياسي” و”توزيع الصلاحيات بين المركز والمناطق”. كما أن التحديات البنيوية في مسار الحوار الوطني – كتضارب الأولويات الخارجية – قد تقلص من قدرة التحالف على تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في “إرساء تسوية سياسية شاملة”.
ختاماً، يُعتبر ظهور التحالف خطوة ذات دلالة في المسار السياسي السوري، إذ يسعى لدمج تيارات متباينة تحت شعارات الوحدة والمساواة. لكن تحقيق هذه الأهداف سيتطلب تجاوز “عقبات تنظيمية ذاتية” و”معوقات موضوعية خارجية”، مع بناء جسور تعاون مع الفاعلين الرئيسيين في المشهد السوري خلال المرحلة الحساسة القادمة.