تحت عنوان "مسؤوليتنا كلنا" حملة نظافة في حماة: هل تكفي الجهود التطوعية لحل المشكلة؟
ما دور المشاركة الشعبية في مواجهة أزمة النفايات المتفاقمة؟

انطلقت فعالية واسعة النطاق في ساعات الصباح الباكر من اليوم لتنظيف بعض أحياء مدينة حماة، بمشاركة قطاعات رسمية ومجتمعية متنوعة. تستهدف المبادرة معالجة التراكمات الكبيرة للنفايات التي باتت تهدد الصحة العامة والمنظر الحضاري للمدينة.
مقدمة
إن قضايا البيئة والنظافة لم تعد ترفاً حضارياً بل أصبحت ضرورة مُلِحَّةً تفرضها الظروف الصحية والاجتماعية. لقد تحولت مشكلة النفايات في المدن السورية عموماً ومدينة حماة خصوصاً إلى تحدٍ يومي يواجه السكان والإدارات المحلية على حد سواء.
وبالتالي فإن إطلاق حملة نظافة في حماة تحت مسمى “مسؤوليتنا كلنا” يأتي كاستجابة عملية لهذا الواقع المتأزم. فقد أصبح من الضروري تحريك الطاقات المتاحة كافة لمواجهة التدهور البيئي الذي أصاب معظم الأحياء السكنية، وكذلك إشراك المواطنين في صناعة الحل بدلاً من اعتبارهم جزءاً من المشكلة فقط.
كيف بدأت المبادرة وما أهدافها؟
انطلقت الفعاليات عند الساعة السابعة صباحاً في توقيت يعكس جدية التنفيذ ورغبة في استثمار ساعات النهار الأولى لإنجاز أكبر قدر من الأعمال. فما الرسالة التي تحملها هذه المبادرة؟ إنها تؤكد على أن النظافة ليست مجرد خدمة تقدمها الجهات الرسمية، بل هي ثقافة ومسؤولية جماعية يشترك فيها الجميع دون استثناء.
من ناحية أخرى، تهدف حملة نظافة في حماة إلى تحقيق أهداف متعددة المستويات، تبدأ بالتنظيف الفوري للأحياء المتضررة، وتمتد إلى تنظيم عمليات جمع وترحيل النفايات بطريقة منهجية متواصلة. كما أن المبادرة تحمل بعداً توعوياً يسعى لتغيير السلوكيات الخاطئة التي ساهمت في تفاقم المشكلة، مما يضمن عدم تكرار السيناريو ذاته بعد انتهاء الحملة.
ما حجم المشاركة في هذه الحملة؟
تميزت هذه المبادرة بمستوى استثنائي من التنسيق والتعاون بين جهات متعددة نادراً ما تجتمع في إطار واحد. هل سمعت من قبل بحملة تضم ثماني جهات رسمية وشعبية تعمل جنباً إلى جنب؟ هذا ما حدث بالفعل في حملة النظافة في حماة، الأمر الذي يعكس إدراكاً عميقاً بأن التحديات الكبيرة تتطلب استجابات كبيرة.
لقد شكلت المشاركة الواسعة عنصر قوة رئيساً في هذه الحملة؛ إذ جمعت بين الخبرات الفنية للمديريات الحكومية والحماس التطوعي للمواطنين. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن وجود لجان الأحياء كطرف فاعل يضمن معرفة دقيقة باحتياجات كل منطقة وخصوصياتها، بينما توفر الإنشاءات العسكرية القدرات اللوجستية الثقيلة المطلوبة لعمليات واسعة النطاق.
مَنِ المشاركون وما مهامهم؟
تشكيلة الفرق العاملة:
تنوعت الجهات المشاركة في الحملة بما يعكس نهجاً شمولياً في معالجة المشكلة، وشملت:
- القطاع الرسمي: مديرية النظافة، ومديرية الخدمات والصيانة، ومديرية الحدائق، ومديرية الخدمات الفنية.
- الدعم اللوجستي: الإنشاءات العسكرية بما تملكه من معدات ثقيلة وآليات متخصصة.
- المشاركة الشعبية: الفرق التطوعية، لجان الأحياء، متطوعون من الأهالي.
إن هذا التنوع في المشاركة يُعَدُّ نموذجاً للعمل التشاركي (Participatory Work) الذي يجمع الموارد الحكومية مع طاقات المجتمع. وعليه فإن توزيع المهام بين هذه الجهات يجري وفق اختصاصات واضحة؛ فالمديريات تتولى التخطيط والإشراف الفني، بينما تقوم الفرق التطوعية بأعمال التنظيف المباشر، فيما تؤمن الإنشاءات العسكرية النقل والترحيل للكميات الكبيرة من النفايات.
أين تتركز جهود التنظيف؟
خريطة العمل الميداني:
شملت حملة “مسؤوليتنا كلنا” في حماة تسعة عشر حياً ومنطقة موزعة على مختلف أنحاء المدينة، في محاولة لشمول الحملة أحياء كثيرة. تضمنت المناطق المستهدفة:
- العليليات، عين اللوزة، حاضر الصغير
- الصابونية، جنوب الملعب والمشاع، طريق مقبرة سريحين
- ضاحية ومزارع أبي الفداء، النصر، القصور، الأربعين
- الأرض الخضراء، غرب المشتل ومزارعه، الفراية
- شارع 15 آذار، طريق حلب، سوق الحاضر الكبير
- الضاهرية، كازو، الصناعة
هذا وقد اختيرت هذه المواقع بعناية بناءً على تقييمات ميدانية أظهرت تفاوتاً في مستويات التراكم؛ إذ تعاني بعض المناطق من إهمال مزمن أدى إلى تحولها لبؤر تلوث. الجدير الذكر أن التوزيع الجغرافي للحملة يشمل أحياء سكنية ومناطق تجارية وصناعية، مما يعني تنوعاً في طبيعة النفايات وكمياتها.
لماذا تتكرر أزمة النفايات؟
برأيكم ماذا يفسر التراكم الكبير والمستمر للقمامة رغم الجهود المبذولة؟ الإجابة هي تعدد الأسباب وتشابكها بطريقة تجعل الحلول الجزئية غير كافية. فقد تجتمع عوامل البنية التحتية الضعيفة مع نقص الوعي البيئي لدى شريحة من المواطنين، وتضاف إليها محدودية الموارد المخصصة لقطاع النظافة.
بالمقابل، يشير استمرار المشكلة إلى حاجة ماسة لتغيير جذري في طريقة إدارة ملف النفايات (Waste Management). إذاً كيف يمكن تحقيق ذلك؟ يتطلب الأمر إستراتيجية متكاملة تجمع بين تحسين الخدمات، وتطوير البنى التحتية، ونشر الوعي بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى تفعيل آليات الرقابة والمساءلة لضمان الالتزام بالقوانين البيئية.
ما المقترحات لضمان استمرارية النظافة؟
انظر إلى التجارب الناجحة في مدن أخرى، ستجد أن العامل المشترك بينها هو تطبيق القانون بحزم إلى جانب التوعية المستمرة. فقد طالب الإعلاميون والناشطون في المجتمع المدني بفرض غرامات مالية رادعة على من يرمي القمامة في أماكن غير مخصصة، وهو إجراء ثَبْتت فعاليته في تغيير السلوكيات الخاطئة.
من جهة ثانية، يُعَدُّ نشر حملات التوعية باستمرار ضرورة لا غنى عنها لبناء ثقافة بيئية سليمة. كما أن تفعيل دور المدارس والجامعات في التربية البيئية، وتشجيع المبادرات الأهلية، وتحسين كفاءة خدمات جمع النفايات، كلها عناصر تكاملية تسهم في تحقيق نظافة مستدامة لا تعتمد على الحملات الموسمية فحسب.
الخاتمة:
تمثل حملة النظافة في حماة لحظة مهمة في مسار معالجة الأزمة البيئية التي تعيشها المدينة. وإن اجتماع ثماني جهات رسمية وشعبية في إطار واحد، واستهداف تسعة عشر حياً دفعة واحدة، يعكس إرادة جادة للتغيير ورؤية واضحة للحل.
وإن كانت هذه الحملة خطوة مشجعة، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذا الزخم إلى ممارسة دائمة ونظام مستدام. بينما نحتفي بهذه المبادرة الإيجابية، علينا أن ندرك أن مسؤولية النظافة لا تنتهي بانتهاء الحملة، بل تبدأ بالتزام يومي من كل مواطن بالحفاظ على نظافة بيئته.
هل أنت مستعد للمساهمة في تحويل شعار “مسؤوليتنا كلنا” من مجرد عبارة إلى واقع ملموس في حيك؟
سؤال وجواب
1. ما أهمية حملات النظافة في المجتمعات الحضرية؟
تُعَدُّ حملات النظافة من الأدوات الرئيسة للحفاظ على الصحة العامة والبيئة الحضرية؛ إذ تساهم في إزالة تراكمات النفايات التي تشكل بيئة خصبة لانتشار الأمراض والحشرات الضارة. بالإضافة إلى ذلك، تعزز هذه الحملات الوعي بين أفراد المجتمع بأهمية النظافة، وتحسن المظهر العام للمدينة، وتخلق شعوراً بالمسؤولية الجماعية، وتقوي الروابط الاجتماعية من خلال العمل التطوعي المشترك، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكاً واستدامة.
2. كيف يمكن تحويل حملة النظافة من مبادرة مؤقتة إلى ممارسة مستمرة؟
يتطلب تحويل حملات النظافة إلى ممارسة مستمرة تبني نهج متكامل يشمل وضع خطط طويلة الأمد لإدارة النفايات، وتطوير البنية التحتية اللازمة من حاويات وآليات نقل، وتدريب كوادر متخصصة، وتخصيص ميزانيات ثابتة. كما أن إشراك الأهالي بشكل دائم من خلال لجان الأحياء، ودمج التربية البيئية في المناهج التعليمية، وتطبيق قوانين رادعة على المخالفين، وإطلاق حملات توعية دورية، كلها عوامل تضمن استمرارية الجهود وتحول النظافة إلى ثقافة اجتماعية.
3. ما دور المتطوعين في نجاح حملات النظافة؟
يمثل المتطوعون العمود الفقري لحملات النظافة؛ إذ يوفرون القوى البشرية اللازمة لتنفيذ الأعمال الميدانية دون تكاليف مالية كبيرة، ويعكسون روح المبادرة والمسؤولية بين أفراد المجتمع. فالمتطوعون يساهمون في نشر الوعي بين أفراد المجتمع، ويشكلون قدوة إيجابية تحفز الآخرين على المشاركة، ويربطون بين الجهات الرسمية والمواطنين، ويضمنون استمرارية المتابعة بعد انتهاء الحملة الرسمية، مما يجعل مشاركتهم عنصراً مهماً في تحقيق النجاح والاستمرارية.
4. ما الفرق بين إدارة النفايات التقليدية والإدارة المستمرة للنفايات؟
تركز إدارة النفايات التقليدية على جمع القمامة والتخلص منها في مكبات عشوائية أو منظمة دون معالجة، وهو نهج يستهلك موارد ويسبب تلوثاً بيئياً. بالمقابل، تعتمد الإدارة المستمرة للنفايات على مبدأ التقليل من المصدر، وإعادة الاستخدام، والتدوير، والمعالجة البيولوجية أو الكيميائية، بما يحول النفايات إلى موارد قابلة للاستثمار. وعليه فإن النهج المستمر يحمي البيئة، ويخلق فرص عمل، ويقلل التكاليف على المدى الطويل، ويحقق أهداف التنمية المستدامة.
5. لماذا يجب فرض غرامات مالية على من يلقي النفايات في الأماكن العامة؟
إن فرض الغرامات المالية يُعَدُّ آلية رادعة ضرورية لتغيير السلوك الخاطئ، وذلك بخلق توازناً بين الحقوق والواجبات من خلال محاسبة من يضر بالبيئة العامة. لقد أثبتت التجارب الدولية أن الردع المالي يقلل بشكل كبير من حالات رمي النفايات العشوائي، ويعزز الالتزام بالقوانين البيئية، ويوفر موارد مالية يمكن استثمارها في تحسين خدمات النظافة. بالإضافة إلى ذلك، ترسخ الغرامات مفهوم المسؤولية الفردية وتحول النظافة من خيار إلى التزام قانوني واجب التطبيق.




