سيرة ذاتية

سامي الحناوي: لماذا حكم سوريا ليوم واحد فقط؟

كيف أصبح رئيساً وتنازل عن السلطة في أقل من 24 ساعة؟

تُعَدُّ قصة الضابط السوري الذي وصل إلى أعلى سلطة في البلاد ثم تخلى عنها طوعاً خلال ساعات من أغرب الفصول في التاريخ السياسي العربي. إن سامي الحناوي يمثل نموذجاً فريداً للقائد العسكري الذي آثر المبادئ على السلطة.

مقدمة

لقد شهدت سوريا عام 1949 اضطرابات سياسية غير مسبوقة جعلته يُلقب بـ”عام الانقلابات الثلاثة”؛ إذ توالت على البلاد ثلاثة انقلابات عسكرية في أقل من تسعة أشهر، مما أدخل سوريا في نفق طويل من عدم الاستقرار السياسي. وفي قلب هذه الأحداث العاصفة، برز اسم محمد سامي الحناوي كقائد للانقلاب الثاني الذي أطاح بحسني الزعيم في 14 آب/أغسطس 1949.

إن ما يميز سامي الحناوي عن غيره من قادة الانقلابات العسكرية في المنطقة هو قصر فترة حكمه المباشر التي لم تتجاوز يوماً واحداً، فقد سلّم السلطة طواعية لحكومة مدنية في خطوة نادرة تعكس رؤية مختلفة لدور العسكر في السياسة. بالإضافة إلى ذلك، فإن نهايته المأساوية على يد قاتل ثأري في شوارع بيروت أضافت بعداً دراميّاً لحياته القصيرة المضطربة. كما أن فهم دوافع انقلابه ومساره السياسي يتطلب الغوص في السياق التاريخي المعقد لسوريا ما بعد الاستقلال، وتشابك المصالح الإقليمية والدولية التي حكمت تلك الفترة.

من هو سامي الحناوي وما هي خلفيته العسكرية؟

وُلد محمد سامي حلمي الحناوي في مدينة حلب عام 1898 لعائلة متوسطة الحال، ونشأ في بيئة تعليمية متواضعة دفعته للالتحاق بدار المعلمين في دمشق. تخرج منها عام 1916 وبدأ حياته مدرساً، لكن روح المغامرة والطموح العسكري سرعان ما استحوذا عليه فالتحق بالمدرسة الحربية العثمانية (Ottoman Military Academy) في إسطنبول خلال الحرب العالمية الأولى.

شارك سامي الحناوي في جبهتي القوقاز وفلسطين أثناء الحرب، وهناك اكتسب خبرة ميدانية قيّمة شكلت شخصيته العسكرية؛ إذ عايش قسوة الحروب وتعقيدات السياسة الإقليمية منذ سن مبكرة. وبعد انهيار الدولة العثمانية، عاد إلى سوريا والتحق بالمدرسة الحربية في دمشق وتخرج برتبة ملازم ثانٍ عام 1919، ليخدم بعدها في قوات الدرك في لواء إسكندرون الذي كان لا يزال جزءاً من سوريا آنذاك. من جهة ثانية، فإن مساره العسكري اللاحق تميز بالتدرج الطبيعي في الرتب، فقد كان ضابطاً انضباطياً بعيداً عن الأضواء، حتى جاءت حرب فلسطين عام 1948 لتضعه في موقع القيادة الميدانية. وقد رُقّي إلى رتبة عقيد تقديراً لخدماته في تلك الحرب التي تركت أثراً عميقاً في نفسه وفي الضباط السوريين عموماً.

ما هي الظروف التي دفعت سامي الحناوي للإطاحة بحسني الزعيم؟

لقد كان انقلاب حسني الزعيم في 30 آذار/مارس 1949 نقطة تحول مفصلية في تاريخ سوريا الحديث، فقد أطاح بالرئيس المنتخب شكري القوتلي وأنهى الحياة الدستورية في البلاد للمرة الأولى منذ الاستقلال. في البداية، أيد سامي الحناوي هذا الانقلاب ورأى فيه فرصة لإصلاح الأوضاع المتردية، ونتيجة لذلك رُقّي إلى منصب قائد اللواء الأول، وهو موقع عسكري مهم جداً في العاصمة دمشق.

لكن سرعان ما بدأت الخلافات تظهر بين الحناوي والزعيم بسبب سياسات الأخير القمعية والمتقلبة؛ إذ قام الزعيم بحل جميع الأحزاب السياسية، واعتقل عشرات النواب والسياسيين، وسرّح عدداً كبيراً من الضباط الذين ساندوه في انقلابه. بالإضافة إلى ذلك، فإن قضية إعدام أنطون سعادة، زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي (Syrian Social Nationalist Party)، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد سلّم الزعيم سعادة إلى السلطات اللبنانية رغم أنه كان لاجئاً سياسياً في سوريا، وتم إعدامه بسرعة مريبة في 8 تموز/يوليو 1949، مما أثار غضباً عارماً بين الضباط القوميين في الجيش السوري.

من ناحية أخرى، فإن الخلافات السياسية حول التوجهات الخارجية كانت عميقة؛ إذ كان سامي الحناوي ومعه حزب الشعب بقيادة ناظم القدسي ورشدي الكيخيا يميلون لمشروع الوحدة مع العراق الهاشمي، بينما كان الزعيم يتجه نحو التقارب مع مصر والسعودية والولايات المتحدة. وعليه فإن هذا التباين في الرؤى أدى إلى تشكل محور معارض للزعيم داخل الجيش، تزعمه سامي الحناوي وضم مجموعة من الضباط الشباب الساخطين على سياسات الزعيم الداخلية والخارجية. الجدير بالذكر أن المصادر التاريخية تشير إلى دعم بريطاني وعراقي لهذا الانقلاب، بهدف إزاحة النفوذ الأمريكي الذي بدأ يتوسع في سوريا في عهد الزعيم.

كيف تم تنفيذ الانقلاب وما هي تفاصيل يوم السلطة الوحيد؟

في ليلة 13-14 آب/أغسطس 1949، تحركت وحدات اللواء الأول بقيادة سامي الحناوي بسرعة وحسم لاعتقال حسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي من منازلهم. كانت العملية دقيقة ومحكمة، ولم تشهد مقاومة تُذكر؛ إذ فوجئ الزعيم بانقلاب أحد أقرب معاونيه عليه.

اقرأ أيضاً:  مروان الحلبي وزير التعليم العالي السوري الجديد: مسيرة أكاديمية وتطلعات نحو الإصلاح

وفي صباح 14 آب/أغسطس، أُعلن عن نجاح الانقلاب، وشُكّل المجلس العسكري الأعلى برئاسة سامي الحناوي لإدارة شؤون البلاد مؤقتاً. فماذا حدث بعد ذلك؟ لقد عُقدت محاكمة عسكرية سريعة لحسني الزعيم ومحسن البرازي أمام المجلس الأعلى للحرب، أُدينا فيها بتهمة الخيانة العظمى، ونُفذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في نفس اليوم. ومما يلفت الانتباه أن تنفيذ الإعدام تم على يد ضباط من الحزب السوري القومي الاجتماعي انتقاماً لمقتل أنطون سعادة، وهو ما أضفى طابعاً ثأرياً على العملية.

على النقيض من ذلك، فإن سامي الحناوي لم يسعَ للبقاء في السلطة رغم امتلاكه القوة العسكرية الكاملة؛ إذ أعلن منذ الساعات الأولى أن هدف الانقلاب هو إعادة الحياة الدستورية وليس إقامة ديكتاتورية عسكرية جديدة. وبالتالي، دعا إلى اجتماع عاجل لكبار السياسيين السوريين من مختلف الاتجاهات للتشاور حول المرحلة الانتقالية. وفي 15 آب/أغسطس، أي بعد يوم واحد فقط من الانقلاب، كُلّف الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي بتشكيل حكومة مدنية مؤقتة، وسلّمه سامي الحناوي السلطة رسمياً معلناً عودته إلى ثكنته العسكرية. هل سمعت بحاكم عسكري يتخلى عن السلطة بهذه السرعة من قبل؟ إن هذه الخطوة النادرة جعلت من سامي الحناوي شخصية استثنائية في التاريخ السياسي العربي.

ما هي القرارات والإجراءات التي اتُخذت في الفترة الانتقالية؟

رغم تخلي سامي الحناوي عن السلطة المباشرة، فقد بقي له دور إشرافي غير رسمي على الحكومة المدنية الجديدة برئاسة هاشم الأتاسي، والتي كانت تستند إلى دعم حزب الشعب. لقد اتخذت هذه الحكومة مجموعة من القرارات كان لها أثر واضح على مسار سوريا السياسي والاقتصادي:

القرارات السياسية والدستورية:

  • الدعوة لانتخابات جمعية تأسيسية (Constituent Assembly) لوضع دستور جديد للبلاد، وقد أُجريت هذه الانتخابات في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1949.
  • إصدار مرسوم بقبول استقالة الرئيس شكري القوتلي التي كان الزعيم قد انتزعها منه قسراً، وحل مجلس النواب المنتخب.
  • إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين زج بهم حسني الزعيم في السجون، وإعادة الاعتبار للسياسيين المُبعدين.
  • تعيين ناظم القدسي، زعيم حزب الشعب، رئيساً للوزراء بعد هاشم الأتاسي، مما عكس التحالف القوي بين الحناوي وهذا الحزب.

القرارات الاقتصادية والخارجية:

  • احترام الاتفاقيات الدولية التي وقّعها حسني الزعيم، ومنها اتفاقية مرور خط أنابيب التابلاين (Trans-Arabian Pipeline) الذي ينقل النفط من السعودية إلى البحر المتوسط عبر الأراضي السورية.
  • السماح بتصدير القطن والقمح السوريين، وهو قرار اقتصادي أدى إلى تحسين الميزان التجاري وزيادة الاحتياطي النقدي.
  • التفاوض حول مشروع الوحدة مع العراق الهاشمي، وهو المشروع الذي كان يحظى بدعم سامي الحناوي وحزب الشعب، لكنه واجه معارضة قوية من قوى سياسية أخرى داخل سوريا.
  • إعادة تنظيم الجيش وإحالة عدد من الضباط المتورطين في انتهاكات عهد الزعيم إلى التقاعد.

لماذا لم يستمر سامي الحناوي في السلطة رغم قوته العسكرية؟

إن السؤال الذي حيّر المؤرخين هو: لماذا تخلى ضابط ناجح عن السلطة المطلقة بهذه السهولة؟ الإجابة تكمن في مزيج من القناعات الشخصية والضغوط السياسية. فقد كان سامي الحناوي يؤمن بأن دور الجيش هو حماية الدستور والنظام الديمقراطي، وليس الحكم المباشر للبلاد، وهذه قناعة كانت نادرة بين الضباط في تلك الحقبة.

بالمقابل، فإن الضغوط السياسية من حزب الشعب وغيره من القوى المدنية كانت واضحة؛ إذ كان هؤلاء يريدون حكومة مدنية تحت إشراف عسكري، وليس حكماً عسكرياً صرفاً. كما أن سامي الحناوي كان يدرك أن بقاءه في السلطة سيضعه في صراع مع قوى عسكرية أخرى داخل الجيش، خاصة مع العقيد أديب الشيشكلي الذي كان يمتلك نفوذاً قوياً وطموحات سياسية واضحة. وعليه فإن تسليمه السلطة للمدنيين كان محاولة لتجنب صراع داخل الجيش قد يؤدي إلى حرب أهلية.

من جهة ثانية، فإن الضغوط الإقليمية والدولية لعبت دوراً؛ إذ كانت بريطانيا والعراق، الداعمان لانقلابه، يفضلان حكومة مدنية موالية على ديكتاتورية عسكرية غير مستقرة. انظر إلى الفارق بين سلوك سامي الحناوي وسلوك معظم قادة الانقلابات العسكرية في المنطقة، فبينما تشبث الآخرون بالسلطة لعقود، اختار هو التنازل عنها في أقل من 48 ساعة، وهو موقف يستحق التقدير رغم كل ما تلاه من أحداث مأساوية.

اقرأ أيضاً:  انقلاب حسني الزعيم: جذوره وتأثيراته

كيف انتهت حياة سامي الحناوي ومن قتله ولماذا؟

لم تدم فترة الهدوء النسبي طويلاً؛ إذ كانت المؤامرات تُحاك ضد سامي الحناوي من داخل الجيش نفسه. فقد عارض العقيد أديب الشيشكلي، الذي كان سامي الحناوي قد أعاده إلى الخدمة العسكرية بعد أن سرّحه الزعيم، مشروع الوحدة مع العراق الذي كان يدعمه الحناوي. وكذلك كان الشيشكلي يمتلك رؤية مختلفة لدور سوريا الإقليمي، ورأى في سامي الحناوي عائقاً أمام طموحاته.

وفي 19 كانون الأول/ديسمبر 1949، أي بعد أربعة أشهر فقط من انقلاب سامي الحناوي، نفّذ أديب الشيشكلي الانقلاب العسكري الثالث في سوريا خلال نفس العام. لقد كان انقلاباً “أبيض” لم تُسفك فيه دماء، لكنه أطاح بالحكومة المدنية واعتقل سامي الحناوي مع عدد من الضباط الموالين له وأودعهم سجن المزة في دمشق. ومما يُذكر أن الشيشكلي لم يُعدم الحناوي، ربما لأنه أدرك أن الأخير لم يكن يشكل خطراً مباشراً عليه، أو لأنه أراد تجنب ردة فعل شعبية قوية.

أُطلق سراح سامي الحناوي في أيلول/سبتمبر 1950 بعد تسعة أشهر من الاعتقال، لكنه كان يشعر بأن حياته في خطر؛ إذ كان يدرك أن عائلة البرازي تطالب بالثأر لمقتل محسن البرازي رئيس الوزراء الذي أُعدم في انقلابه. وبالتالي، قرر مغادرة سوريا سراً إلى لبنان حيث اعتقد أنه سيكون بأمان. لكن القدر كان له رأي آخر؛ إذ في صباح 30 تشرين الأول/أكتوبر 1950، وبينما كان سامي الحناوي يهم بركوب حافلة عامة في أحد شوارع بيروت، اقترب منه شاب يُدعى حرشو البرازي، ابن عم محسن البرازي، وأطلق عليه ثلاث رصاصات قاتلة انتقاماً لمقتل قريبه. سقط سامي الحناوي قتيلاً في الشارع، ونُقل جثمانه إلى مسقط رأسه حلب حيث دُفن في جنازة مهيبة حضرها آلاف المشيعين.

ما هو الإرث السياسي الذي تركه سامي الحناوي لسوريا؟

تُعَدُّ تجربة سامي الحناوي القصيرة في السلطة موضوع جدل تاريخي مستمر. فهل كان مصلحاً وطنياً حقيقياً أم مجرد أداة في صراع إقليمي أكبر منه؟ برأيكم ماذا تقول الوقائع التاريخية؟ الإجابة هي أنه كان مزيجاً معقداً من الاثنين، فقد حمل قناعات وطنية حقيقية لكنه كان أيضاً جزءاً من شبكة معقدة من التحالفات الإقليمية والدولية.

لقد أثبت سامي الحناوي أن التخلي عن السلطة يتطلب شجاعة لا تقل عن الشجاعة المطلوبة للاستيلاء عليها، وهذا درس قلما تعلمه قادة عسكريون آخرون في المنطقة. بينما تشبث معظمهم بالحكم لعقود، اختار هو طريقاً مختلفاً انتهى بمأساة شخصية لكنه ترك إرثاً معنوياً مهماً. من ناحية أخرى، فإن انقلاب سامي الحناوي فتح الباب لسلسلة من الانقلابات العسكرية التي عصفت بسوريا في العقود اللاحقة، مما يطرح سؤالاً مهماً: هل كان تدخله العسكري، رغم نواياه الحسنة، خطأً فاتحاً لعصر من عدم الاستقرار؟

إن قصة سامي الحناوي تعلمنا أن الطريق إلى الديمقراطية محفوف بالمخاطر، وأن التدخل العسكري في السياسة، حتى بدوافع إصلاحية، غالباً ما يؤدي إلى نتائج عكسية. لقد حاول أن يكون استثناءً للقاعدة، لكن التاريخ أثبت أن السوابق العسكرية تُستخدم لاحقاً كمبررات لمزيد من الانقلابات، وهو ما حدث بالفعل في سوريا التي شهدت عدة انقلابات بعده.

خاتمة

إن سامي الحناوي يبقى شخصية فريدة في التاريخ السوري المعاصر، فهو الرجل الذي قاد انقلاباً عسكرياً ناجحاً لكنه رفض أن يكون ديكتاتوراً. تخلى عن السلطة المطلقة بعد يوم واحد فقط، مدفوعاً برؤية مثالية لدور الجيش كحامٍ للدستور لا كبديل عنه. لقد دفع ثمن هذه المبادئ حياته، إذ اغتيل ثأراً في شوارع بيروت بعد أشهر قليلة من خروجه من السجن، تاركاً وراءه إرثاً متناقضاً من الطموح الوطني والنتائج المأساوية.

لقد أثبتت تجربته أن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي في عالم السياسة المعقد، وأن التدخل العسكري في الشؤون المدنية يفتح أبواب الفوضى حتى لو كان الهدف منه الإصلاح. فقد تلا انقلابه سلسلة من الانقلابات المضادة التي أغرقت سوريا في عدم استقرار سياسي مزمن استمر لعقود. وكذلك فإن مشروعه السياسي للوحدة مع العراق لم يتحقق، بل أدى إلى صراعات داخلية حادة انتهت بسيطرة الشيشكلي ثم أنظمة عسكرية متعاقبة.

هل يمكن القول إن سامي الحناوي كان آخر المثاليين في الجيش السوري، أم إن قصته تحذير من مخاطر الخلط بين المؤسسة العسكرية والعمل السياسي مهما كانت الدوافع نبيلة؟

الأسئلة الشائعة

لماذا استمرت فترة حكم سامي الحناوي المباشر ليوم واحد فقط رغم نجاح انقلابه؟

لم يكن سامي الحناوي يسعى للسلطة الشخصية، بل كان يرى في انقلابه حركة تصحيحية لإعادة المسار الديمقراطي الذي قطعه حسني الزعيم. لقد آمن بأن دور الجيش هو حماية الدستور وليس الحكم المباشر للبلاد، وعليه أعلن منذ الساعات الأولى للانقلاب أن مهمته تنتهي بتسليم السلطة لحكومة مدنية. وبالفعل، شكّل المجلس العسكري الأعلى في 14 آب/أغسطس 1949، وفي اليوم التالي كلّف هاشم الأتاسي بتشكيل حكومة مؤقتة، ليعود هو إلى ثكنته العسكرية. كما أن الضغوط السياسية من حزب الشعب وحلفائه المدنيين دفعت باتجاه سرعة نقل السلطة، إذ كانوا يفضلون حكومة مدنية تحت إشراف عسكري على حكم عسكري مباشر قد يتحول إلى ديكتاتورية جديدة.

ما هي الأسباب الحقيقية وراء إعدام حسني الزعيم ومحسن البرازي بهذه السرعة؟

تعود سرعة إعدام حسني الزعيم ومحسن البرازي إلى عدة عوامل متداخلة. فمن الناحية السياسية، كان سامي الحناوي والضباط المشاركون في الانقلاب يخشون من محاولات مضادة لإعادة الزعيم إلى السلطة، خاصة أنه كان لا يزال يحظى بدعم بعض الضباط والقوى الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الضباط المنتمين للحزب السوري القومي الاجتماعي، الذين شاركوا في الانقلاب، كانوا يطالبون بالثأر العاجل لمقتل زعيمهم أنطون سعادة الذي سلّمه الزعيم للسلطات اللبنانية وأُعدم بسرعة. وعليه فإن المحاكمة العسكرية السريعة وتنفيذ حكم الإعدام في نفس يوم الانقلاب جاءا لتحقيق هدفين: القضاء على أي احتمال لعودة الزعيم، وإرضاء الضباط القوميين الثائرين.

هل كان مشروع الوحدة مع العراق الهاشمي هو الدافع الأساسي لانقلاب سامي الحناوي؟

يُعَدُّ مشروع الوحدة مع العراق أحد الدوافع المهمة لكنه لم يكن الدافع الوحيد. فقد كان سامي الحناوي وحلفاؤه من حزب الشعب يؤمنون بأن الوحدة مع العراق الهاشمي ستحقق قوة إقليمية أكبر للعرب وستعزز موقف سوريا السياسي والاقتصادي. لكن الدوافع المباشرة للانقلاب كانت متعددة، منها السياسات القمعية التي مارسها حسني الزعيم ضد السياسيين والضباط، وإعدامه لأنطون سعادة الذي أثار غضب القوميين، ورغبة الحناوي في إعادة الحياة الدستورية للبلاد. من جهة ثانية، فإن الدعم البريطاني والعراقي للانقلاب كان مرتبطاً بمصالح إقليمية أوسع تتعلق بالصراع على النفوذ في المشرق العربي، إذ كانت بريطانيا تسعى لإضعاف النفوذ الأمريكي المتنامي في سوريا في عهد الزعيم.

من هو أديب الشيشكلي ولماذا انقلب على سامي الحناوي؟

أديب الشيشكلي كان ضابطاً طموحاً في الجيش السوري، كان حسني الزعيم قد سرّحه من الخدمة، لكن سامي الحناوي أعاده إلى الجيش بعد انقلابه، وهي خطوة ندم عليها لاحقاً. كان الشيشكلي يمتلك رؤية سياسية مختلفة تماماً عن الحناوي، إذ رفض مشروع الوحدة مع العراق الهاشمي ورأى فيه تهديداً لاستقلال سوريا. كما أن طموحاته الشخصية للسلطة دفعته للتخطيط لانقلاب ضد الحكومة المدنية التي كانت تحظى بدعم الحناوي. وفي 19 كانون الأول/ديسمبر 1949، نفّذ الشيشكلي انقلابه الأبيض الذي أطاح بحكومة ناظم القدسي واعتقل سامي الحناوي وأودعه سجن المزة. لقد أصبح الشيشكلي لاحقاً الحاكم الفعلي لسوريا حتى عام 1954، مما يؤكد أن دافعه كان السلطة أكثر من أي اعتبارات أيديولوجية.

كيف كان رد الفعل الشعبي السوري على اغتيال سامي الحناوي في بيروت؟

شهدت حلب ومدن سورية أخرى ردة فعل شعبية واسعة على اغتيال سامي الحناوي في بيروت. فقد نُقل جثمانه من لبنان إلى مسقط رأسه حلب حيث استقبله آلاف المشيعين في جنازة مهيبة عكست التعاطف الشعبي مع الرجل الذي رأى فيه كثيرون ضحية للصراعات السياسية والثأر العائلي. بينما رأى آخرون في مقتله نهاية عادلة لمن أمر بإعدام حسني الزعيم ومحسن البرازي، إلا أن الرأي السائد كان أن الحناوي كان رجلاً وطنياً دفع ثمن مبادئه. الجدير بالذكر أن اغتياله أثار نقاشاً واسعاً حول دوائر العنف السياسي والثأر التي بدأت تسيطر على الحياة السياسية السورية، وكيف أن الانقلابات المتتالية والإعدامات السياسية خلقت حالة من عدم الاستقرار المزمن استمرت لعقود طويلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى