الشاعر الطبيب وجيه البارودي: رحلة عشق للإنسانية والفن في حماة
وجيه بن عبد الحسيب البارودي وُلد في 1 آذار 1906 في مدينة حماه، لأسرة عرفت بالثراء والوجاهة. أسرته كانت تُعتبر من العائلات المرموقة في حماة، حيث كان يُعرف عنها السخاء والكرم واحترام المجتمع. نشأ وجيه في بيئة مرفهة، حيث عاش طفولة مليئة بالرعاية والاهتمام. تلقى تعليمه الأولي في الكتّاب، وهي المدارس التقليدية التي كانت تركز على تعليم القرآن واللغة العربية. بعد ذلك، انتقل إلى مدرسة “ترقي الوطن” الابتدائية، التي كانت تُعتبر واحدة من أفضل المدارس في المدينة.
التعليم في بيروت
بعد إتمام دراسته الابتدائية، قرر والده إرساله إلى بيروت لاستكمال تعليمه الثانوي. كان هذا القرار يهدف إلى منحه فرصة تعليمية أفضل وتوسيع آفاقه الثقافية. تم إرساله إلى ثانوية الانترناشونال كولدج، التي كانت تُعتبر من أرقى المدارس في بيروت، حيث تلقى تعليماً شاملاً في مختلف المواد الدراسية. كانت بيروت في تلك الفترة مدينة نابضة بالحياة والثقافة، مما أتاح لوجيه فرصة للتعرف على العالم الخارجي والانفتاح على أفكار جديدة.
الجامعة الأمريكية في بيروت
بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية، التحق وجيه البارودي بالكلية السورية البروتستانتية التي أصبحت تُعرف لاحقاً بالجامعة الأمريكية في بيروت. كانت هذه الجامعة مركزاً للتفوق الأكاديمي، حيث جذبته سمعتها الأكاديمية الرفيعة وهيئة التدريس المميزة. اختار دراسة الطب، وهو مجال يتطلب التفاني والالتزام الكبير. خلال سنوات دراسته، تميز بالاجتهاد والتفوق الأكاديمي، مما جعله يحظى باحترام أساتذته وزملائه.
العودة إلى حماة وممارسة الطب
تخرج وجيه البارودي في عام 1932 من الجامعة الأمريكية كطبيب عام. قرر العودة إلى مدينته حماة بعد التخرج، ليقدم خدماته لأبناء مدينته. افتتح عيادته الخاصة هناك، التي أصبحت مقصداً للعديد من المرضى الباحثين عن العلاج والرعاية الطبية. عمل وجيه بجد وتفانٍ في مهنته، وظل يقدم خدماته الطبية حتى أيامه الأخيرة، مما جعله شخصية محبوبة ومحترمة في المجتمع.
حياته الشخصية
الحياة في حماة لم تكن مجرد عمل بالنسبة لوجيه البارودي، بل كانت مزيجاً من الالتزام الاجتماعي والثقافي. كان جزءاً من النسيج الاجتماعي للمدينة، حيث شارك في الأنشطة الاجتماعية والثقافية، وعُرف عنه حبه للشعر والأدب. علاقاته الطيبة مع الناس واحترامه لهم جعلاه يحظى بمكانة مميزة في قلوبهم. لم يكن فقط طبيباً، بل كان أيضاً صديقاً ومعلماً للكثيرين.
المسيرة الشعرية
رغم قلة نتاجه الأدبي، إلا أن وجيه البارودي تميز كأحد أبرز الشعراء السوريين، محققاً شهرة واسعة في سوريا والوطن العربي. صدر ديوانه الأول “بيني وبين الغوالي” سنة 1950، وقد لاقى استحسان النقاد وأثّر بعمق في المشهد الأدبي. كان هذا الديوان انعكاساً لأحداث سياسية واجتماعية حاسمة، خصوصاً التزوير الكبير في انتخابات حماة النيابية سنة 1949، مما أضفى بُعداً سياسياً مميزاً على شعره.
بعد فترة غياب طويلة عن الساحة الشعرية، عاد البارودي بديوانه الثاني “كذا أنا” سنة 1971، ثم أتبعه بديوانه الثالث والأخير “سيد العشاق” سنة 1994. أشعاره تميزت بالغزل والعشق، حيث كان عاشقاً للحسن والجمال، متغنياً بسحر المرأة وروعتها. دعوته الناس للحب واللهو تجلت في نصائحه التي كان يوجهها للمسنين، داعياً إياهم للرقص والفرح وعدم الاكتراث لنصح الأطباء المملوء بالتحذيرات.
الطبيب المشاكس والإنساني
أما في مجال الطب، فقد جسّد وجيه البارودي مزيجاً فريداً من المهارة الإنسانية والتفاني الراسخ، جعلت منه طبيباً متميزاً بقدر ما كان شاعراً بارعاً. بعد تخرجه، عاد إلى مدينته حماة ليبدأ رحلة طبية استثنائية، حيث لم تقتصر براعته على مهنته كطبيب فحسب، بل اتسعت لتشمل إنسانيته الكبيرة وتفانيه اللامحدود في خدمة الناس. عُرف بلقب “طبيب الفقراء” نظراً لحرصه الدؤوب على علاج المرضى دون مقابل، مما جعله شخصية محبوبة ومحترمة بين سكان حماة. لم يكن يجلس في عيادته منتظراً قدوم المرضى، بل كان يتجول في الأحياء الفقيرة ليلاً ونهاراً بدراجته الهوائية، مقدماً خدماته الطبية بروح مليئة بالحب والعطاء.
كانت زياراته للمرضى في منازلهم تعبيراً عن تواضعه وحبه الحقيقي لخدمة الناس، ولم يكن يتوانى عن تقديم العلاج حتى لأولئك الذين لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج. لقد جمع بين العلم والعمل الخيري، مما أكسبه احتراماً وحباً عميقين من جميع أبناء مدينته.
عُرف عنه أيضاً حرصه على توعية الناس بالمسائل الصحية، حيث كان يعقد جلسات توعية حول كيفية الوقاية من الأمراض والعناية بالصحة العامة، مما ساعد في رفع مستوى الوعي الصحي بين سكان المدينة.
بالإضافة إلى ذلك، كان وجيه البارودي يتبع منهجاً علاجياً إنسانياً، حيث كان يرى المرضى كأشخاص يحتاجون إلى الدعم النفسي بقدر حاجتهم إلى العلاج الجسدي. لقد أدرك أن العلاج ليس فقط بالدواء، بل أيضاً بالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة، مما جعله طبيباً وأباً روحياً للعديد من المرضى.
تجلت إنسانيته أيضاً في مواقفه العديدة التي كان يرفض فيها تقاضي الأجر من الفقراء، بل وكان يعينهم أحياناً في تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية. هذا التفاني في خدمة الآخرين جعل منه أسطورة في مجاله، ورمزاً للطبيب الذي يضع إنسانية مهنته فوق كل اعتبار.
التمرد والثورة الاجتماعية
كانت سنوات دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت مفصلية في تشكيل شخصيته وتطوير أفكاره، حيث تأثرت نظرته للمجتمع السوري المحافظ بتجربته في بيروت المتحررة والمتمدنة. في تلك البيئة الجامعية التي كانت تعج بالأفكار الجديدة والليبرالية، وجد وجيه البارودي فضاءً رحباً للتفكير الحر والانفتاح على العالم الخارجي، بعيداً عن القيود الاجتماعية التي كانت تكبل المجتمع السوري. هذا التأثر انعكس بوضوح على شخصيته وفكره، وعندما عاد إلى حماة، عاد حاملاً معه روح التغيير والإصلاح.
بدأ وجيه بمواجهة الأعراف والتقاليد البالية التي كانت تحكم مجتمعه بحزم، وقام بخطوات جريئة تعبر عن تمرده ورغبته في كسر القيود. من بين هذه الخطوات كان خلع الطربوش، الذي كان يُعتبر رمزاً للوجاهة الاجتماعية، واستبداله بالقبعة، مما أثار استياء أبناء مدينته المحافظة. لكنه، بجرأة وثقة، لم يكترث بالانتقادات اللاذعة التي وجهت له، بل استمر في تمرده الاجتماعي، مسلحاً بقوة أشعاره الناقدة التي لم تترك مجالاً للظواهر الاجتماعية السلبية.
قصائده، التي كانت تُعد صرخات مدوية ضد النفاق والرياء والتخلف، لم تُفهم في كثير من الأحيان من قبل مجتمعه، مما أدى إلى اصطدامه ببيئته المحيطة. لقد اتهمه البعض بشتم مدينته ومعاداة الدين، لكن أفعاله ومواقفه الإنسانية كانت تشهد بعكس ذلك. كان طبيب الفقراء، الشخص الذي لم يتوانَ عن تقديم المساعدة لكل محتاج، والذي جعل من مهنته رسالة نبيلة لنشر الإنسانية والخير.
تجربته السياسية الوحيدة كانت في الانتخابات النيابية، حيث قرر أن يخوض غمار السياسة، آملاً في إحداث تغيير حقيقي من داخل النظام. لكنه واجه تزويراً وفساداً ممنهجاً حالا دون نجاحه، مما جعله يشعر بإحباط كبير عبّر عنه في ديوانه الأول “بيني وبين الغوالي”. هذه التجربة المريرة أكدت له أن الطريق إلى الإصلاح مليء بالعقبات والتحديات، وأنه يحتاج إلى أكثر من مجرد كلمات وأشعار للتغيير.
رغم ذلك، لم يتوقف عن نضاله ولم يتراجع عن مواقفه، بل استمر في استخدام الشعر كسلاح للمقاومة والتعبير عن رفضه لكل أشكال الظلم الاجتماعي. هذا التمرد والثورة الداخلية انعكس في كل جوانب حياته، مما جعله شخصية مثيرة للجدل ومحط اهتمام الناس، حياً وميتاً.
شاعر الحب والشباب
جانب آخر من شخصيته الشاعرية تميز بالغزل والعشق، حيث كرس جزءاً كبيراً من أشعاره للتغني بجمال المرأة والحب. واحة الحب والشباب كانت الأرحب في حياته، حيث عبر عن عشقه للحياة بجميع جوانبها. كانت صداقته العميقة مع وليد قنباز، المعروف بأصمعي القرن العشرين، من أبرز علاقاته التي أثرت في شعره وحياته. تجلى وجيه البارودي كشاعر رومانسي يجسد الحنين والشغف في كل قصيدة، متنقلاً بين مراحل الحب المختلفة بتفاصيلها العذبة والمؤلمة. تغنى بجمال المرأة ليس فقط كجسد، بل كتجربة إنسانية غنية تعكس مشاعر الحب والأنوثة والحنين. كان الحب عنده ملاذاً من قسوة الواقع، ملاذاً يجده في السهرات الرومانسية، في اللقاءات الغرامية، وفي أحلام الليل الطويلة. عشقه للحياة لم يتوقف عند الإنسان، بل شمل الطبيعة واللحظات اليومية البسيطة، مجسداً فلسفة الحب والشباب في كل بيت شعري.
هذه الرؤية العاطفية لم تكن مجرد كلمات مكتوبة، بل كانت نابعة من تجربة حياة عاشها وجيه بشغف وحماس. كانت صداقته مع وليد قنباز، الشاعر المعروف بأصمعي القرن العشرين، محطة هامة أثرت بشكل كبير في مسيرته الشعرية. قنباز، بمعرفته الواسعة وثقافته الأدبية الغنية، كان مستشاراً وصديقاً مقرباً لوجيه، يعينه على تشكيل أفكاره وتحويل تجاربه العاطفية إلى قصائد خالدة. من خلال هذه العلاقة الفريدة، تمكن وجيه من صقل موهبته الشعرية وإثراء نصوصه بالعمق والإحساس العالي، مما جعل من أشعاره مرآة صافية تعكس نبض الحياة والعاطفة في أبهى صورها.
عندما تقرأ أشعار وجيه البارودي، تشعر وكأنك تدخل عالماً خاصاً من الحب والشباب، عالماً يجمع بين الرقة والصدق، بين الجمال والبساطة، يجذبك بأسلوبه الفريد ولغته العذبة. تلك القصائد التي كتبها، ليست فقط انعكاساً لحياته الشخصية، بل هي أيضاً دعوة لكل من يقرأها ليعيش الحب بشغف، ويقدر الجمال في كل تفاصيل الحياة. عبر كلماته، نجد أنفسنا ندخل عالماً مليئاً بالألوان والمشاعر، يجعلنا نتوقف للحظات عن صخب الحياة اليومية، لنحتفل بالحب والجمال كما رآهما وجيه البارودي.
التكريم والوفاة
كُرم وجيه البارودي على جهوده الشعرية العظيمة عند بلوغه السبعين في حفل مهيب حضره نخبة من الأدباء والشعراء السوريين، الذين جاءوا ليعبروا عن تقديرهم لشاعرٍ أثّر في مشاعرهم وجعل من كلماته قصائد خالدة في وجدان الأمة. هذا التكريم لم يكن مجرد حدث عابر بل كان اعترافاً بمكانته الأدبية والشعرية الفريدة التي أضاءت سماء الأدب السوري والعربي. وعلاوة على ذلك، تم تكريمه بصفته أقدم طبيب ممارس للمهنة في سوريا سنة 1991، حينما قلده وزير الصحة درعاً فخرياً تقديراً لعطائه الكبير في مجال الطب ورعايته المستمرة للمرضى على مدار عقود.
توفي وجيه البارودي عن عمر ناهز 90 عاماً في 11 شباط 1996، بعد حياة حافلة بالعطاء سواء في مجال الطب أو الشعر. وفاته لم تكن نهاية لذكراه، بل بداية لفصل جديد في تكريمه واحترامه. ذكراه بقيت خالدة في قلوب أهل حماة ومحبيه، الذين استمروا في تذكر مواقفه الإنسانية وقصائده التي عبرت عن عشق للحياة والحب لا ينتهي. ترك البارودي وراءه إرثاً أدبياً وإنسانياً عظيماً، حيث غدا رمزاً للطبيب الشاعر الذي جمع بين العقل والعاطفة، بين العلم والفن، وكتب اسمه بحروف من ذهب في تاريخ سوريا. تجسد ذكراه في كل زاوية من حماة، في كل قصيدة يقرأها محبوه، وفي كل مريض يتذكر عناية الطبيب الرحيم، ليظل نبراساً للأجيال القادمة ومصدر إلهام لكل من يسعى لخدمة الإنسانية بعلمه وفنه.
الإرث والجدل
رغم الحب الكبير الذي حمله أهل حماة لوجيه البارودي، إلا أن الإهمال الذي تعرض له قبره أثار جدلاً واسعاً ومؤلماً في الأوساط الثقافية والاجتماعية. في أحد الأيام، فجر مدير السياحة السابق لحماة، مرهف إرحيم، جدلاً كبيراً عندما نشر عبر صفحته على فيسبوك أن حجارة قبر البارودي قد سُرقت. هذا الإعلان صدم الكثيرين وأعاد فتح الباب على مصراعيه لتذكر الشاعر الكبير والنقاش حول الإهمال الذي تعرض له حتى بعد وفاته. هذا الحادث ليس مجرد سرقة لحجارة قبر، بل هو رمز لحال الفقر والتخلف الذي وصلت إليه البلاد، وكيفية تعامل المجتمع مع رموزه وأعلامه.
الشاعر الذي أضاء بعبقريته سماء الأدب السوري وأدخل في قلوب الناس الحب والجمال، أصبح قبره مسلوباً من حجارته، مما يعكس حالة الإهمال والنسيان التي طالت حتى المثقفين والمبدعين. لقد تحول هذا الإهمال إلى مرآة عاكسة للحالة العامة التي تعيشها البلاد، حيث يعاني الناس من ظروف معيشية صعبة وقلة في الموارد، مما يجعل الاهتمام بالمبدعين والرموز الثقافية أمراً ثانوياً.
المفارقة المؤلمة أن البارودي، الذي كرس حياته لخدمة الناس من خلال الطب والشعر، يجد نفسه في النهاية ضحية لإهمال مجتمع لم يستطع حفظ جميله وتكريمه كما يستحق. سرقة حجارة قبره ليست مجرد فعل سرقة مادي، بل هي سرقة للذاكرة الثقافية والحضارية، وإهانة لقيمة الإنسان الذي كان يوماً ما نموذجاً في الإبداع والعطاء.
هذه الحادثة أثارت استياء كبيراً بين محبي الشاعر وأبناء مدينته، الذين عبروا عن حزنهم واستيائهم من الإهمال الذي يعكس تراجعاً في قيم التقدير والاحترام للرموز الثقافية. في حين أن الدول المتقدمة تقيم النصب التذكارية وتحتفي بمبدعيها ورموزها، نجد أنفسنا هنا أمام واقع مؤلم يعكس حال مجتمع يعاني من التدهور والانهيار، حيث تُسرق حجارة قبور المبدعين ويُترك إرثهم مهملاً. هذا الجدل يعيد إلى الأذهان أهمية إعادة النظر في كيفية تعاملنا مع رموزنا الثقافية وأهمية الحفاظ على تراثهم وإرثهم كجزء لا يتجزأ من هويتنا الثقافية والتاريخية.
الشخصية الفريدة
تجمع أبناء مدينة حماة وريفها على حب وجيه البارودي، الذي تمكن بفضل شخصيته الفريدة من الجمع بين العصبية والطيبة، وبين المزاج الحاد ونقاء القلب. كان البارودي خليطاً من المتناقضات التي جعلت منه شخصاً مميزاً في قلوب من عرفوه، حيث استطاع أن يجمع بين حدية الطباع والرحمة، وبين قسوة التعبير والعطاء اللامتناهي. هذا الحب وهذه الشخصية، بالإضافة إلى ارتباطه الكبير بمكان ولادته، جعلاه حديث الحمويين حياً وميتاً، حتى أصبح واحداً من معالم المحافظة البارزة بجانب النواعير وأفاميا. لم يكن وجيه البارودي مجرد طبيب أو شاعر، بل كان تجسيداً للإنسانية في أجمل صورها، حيث جمع بين مهنتين كانتا سبيلاً لخدمة الإنسان والمجتمع.
عرف البارودي بطبعه العصبي، ولكنه كان أيضاً طيب القلب، لا يتوانى عن تقديم المساعدة لمن يحتاجها. كان يتحرك بدراجته الهوائية في شوارع حماة، حاملاً حقيبته الطبية، مستعداً للوقوف إلى جانب الفقراء والمحتاجين، ليصبح الطبيب المشاكس المحبب للجميع. هذا التناقض في شخصيته جعله محط اهتمام الناس، فقد كان يجمع بين الشجاعة في مواجهة التقاليد والجرأة في طرح أفكاره، وبين اللطف والعطف في التعامل مع مرضاه ومحبيه.
إرثه الشعري والطبي سيبقى خالداً، فهو لم يقتصر على الممارسة الطبية فقط، بل كان أيضاً شاعراً متقدماً، عبر بأشعاره عن هموم الناس وآلامهم، وعن الحب والجمال بأعذب الكلمات. كانت قصائده تعكس شخصيته المتمردة والثائرة، وتجسد أحاسيسه العميقة تجاه الحياة بكل تجلياتها. تميز شعره بالجرأة والصدق، مما جعل كلماته تتردد في الأرجاء، تبعث الأمل وتثير التفكير.
هذا الرجل الذي جمع بين العقل والعاطفة، بين الجدية والمرح، وبين العلم والفن، كان وسيظل رمزاً للشاعر الطبيب الذي أثرى حياة الكثيرين. سيرته وحكاياته ستظل تتداول بين الأجيال، قصة تروى عن شخصية متميزة أثرت في حياة الناس وترك بصمة لا تُنسى في تاريخ حماة وسوريا بأكملها. سيظل وجيه البارودي مثالاً يحتذى به، ونموذجاً للطبيب الشاعر الذي خدم مجتمعه بقلبه وعقله، وترك إرثاً خالداً من الإنسانية والحب والشعر.