الشيخ بدر الدين الحسني: منارة العلم في القرن العشرين

الشيخ بدر الدين الحسني، المعروف بلقب المحدث الأكبر، وُلد في عام 1850 في دمشق. نشأ في منزل والده الملاصق لدار الحديث الأشرفية، مقر علماء الحديث في ذلك الوقت. كانت ولادته في بيئة علمية متميزة، حيث أن والدته، السيدة عائشة بنت إبراهيم الكزبري، تنتمي إلى واحدة من أعرق العوائل الدمشقية المعروفة بحرصها على العلم والدين، وخصوصًا علم الحديث الشريف. تعهده والده بالرعاية والتعليم منذ صغره، حيث هاجر الشيخ يوسف الحسني من مراكش إلى مصر ودرس في الأزهر الشريف، على يد كبار علمائه مثل الشيخ حسن العطار والشيخ الفضالي والأمير الصغير، قبل أن يستقر في دمشق ويصبح أحد أعلامها. بدأ بدر الدين الحسني حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وأتم حفظه وهو في السابعة من عمره. بعد وفاة والده، تولت والدته رعايته وحرصت على تسليمه إلى شيوخ العصر للتعلم والتربية، مما أسهم في تكوينه العلمي الرفيع. كان يُعرف بذكائه الحاد وذاكرته القوية التي ساعدته في حفظ آلاف الأبيات من متون العلم، مما جعله يتميز بين أقرانه ويصبح مرجعًا مهمًا في علوم الحديث والفقه وغيرها من العلوم الشرعية.
رحلة حفظ العلم وإتقانه
بدأ الشيخ بدر الدين الحسني مسيرته العلمية منذ نعومة أظفاره، حيث حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، ما يعكس تفوقه المبكر وذكاءه الاستثنائي. بعد وفاة والده، انكب الشيخ على دراسة العلوم الشرعية والعلوم الأخرى بنهم. لم يكن مجرد حافظ للنصوص، بل كان يتعهدها بفهم عميق. حفظ صحيح البخاري ومسلم، وموطأ مالك، ومسند أحمد، وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه، بجانب عشرين ألف بيت من متون العلم المختلفة. تميز الشيخ بدر الدين بقدرته الفريدة على حفظ وتذكر الأسانيد والنصوص الدينية بكل تفاصيلها، وهو ما جعل منه مرجعاً في الحديث وعلم الرجال. لم تقتصر علومه على العلوم الشرعية؛ بل توسع إلى علوم الفلسفة والطب والرياضيات العالية والجغرافيا والهندسة، حيث كان له باع طويل في هذه المجالات أيضاً. كان يُعرف بقدرته على شرح الأحاديث واستنباط الفوائد منها بشكل يفوق التصور، حيث كان يجلد الطلاب بقدرته على التفصيل والربط بين العلوم المختلفة، مما جعله موسوعة حية تسير بين الناس، وترك تأثيراً عميقاً في كل من حضر دروسه.
سنوات العزلة والتفرغ للعلم
في عمر العشرين، بدأ الشيخ بدر الدين الحسني تدريس تفسير البيضاوي في الجامع الأموي، مستعرضًا براعته الفائقة في الحفظ والفهم دون الحاجة إلى أي ملاحظات مكتوبة، مما أثار دهشة وإعجاب الكثيرين. إلا أن صغر سنه أثار بعض التحفظات بين العلماء الأكبر سنًا، الذين شعروا ببعض القلق من بروزه السريع. كرد فعل على هذا القلق، قرر الشيخ أن يعتزل الحياة العامة ويتفرغ للعلم بشكل كامل. على مدى عشر سنوات، اعتكف في غرفته في دار الحديث الأشرفية، مكبًا على المطالعة والحفظ. خلال هذه الفترة الذهبية من حياته، تفرغ لدراسة أمهات الكتب في الحديث والفقه والتفسير، فحفظ الصحيحين البخاري ومسلم بأسانيدهما، ودرس متون العلم المختلفة حتى أتقنها. لم تقتصر عزلة الشيخ على العلوم الشرعية فقط؛ بل شملت أيضاً علومًا أخرى كالطب والفلسفة والرياضيات، مما جعله موسوعة علمية حية. هذا التفرغ الكامل للعلم جعله مرجعاً لا غنى عنه في علم الحديث، حيث توافد عليه الطلاب والعلماء بعد خروجه من عزلته للاستفادة من علمه العميق وفهمه الدقيق للشريعة والعلوم المختلفة.
عودة الشيخ بدر الدين للتدريس
بعد تجاوزه الثلاثين من عمره، قرر الشيخ بدر الدين الحسني العودة إلى التدريس، متخليًا عن عزلته الطويلة التي كان قد أمضاها في دار الحديث الأشرفية. بدأ بالتدريس في جامع السادات، حيث لفت أنظار الناس بعمق معرفته وسعة علمه. مع تزايد شهرة دروسه، انتقل إلى جامع سنان باشا لتلبية حاجات المتعلمين الذين توافدوا للاستفادة من علمه. ومع مرور الوقت، لم يعد جامع سنان باشا كافيًا لاستيعاب الأعداد المتزايدة من طلاب العلم، فانتقل إلى الجامع الأموي، الذي أصبح مركز نشاطه العلمي.
كان درسه الأسبوعي في الجامع الأموي يُعتبر حدثاً علمياً كبيراً، حيث كان يجذب الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية، بدءًا من العلماء والقضاة وصولاً إلى العوام. كان الشيخ يبدأ درسه بقراءة حديث نبوي ويسرده بسنده ومتنه، ثم يشرحه بشمولية ودقة متناهية. لم يكن يقتصر على شرح الحديث فقط، بل كان يتوسع ليشمل العلوم الأخرى، مستعرضًا براعته في اللغة، والنحو، والبلاغة، والفقه، والحديث، والفلسفة، والطب، والرياضيات.
تحت قبة النسر في الجامع الأموي، كانت صوته الجهوري يُسمع بوضوح في أرجاء المسجد، ويستمع إليه الحاضرون بانتباه كبير. كان يستخدم أسلوبًا يجمع بين الترغيب والترهيب، حيث يذكر الأحاديث المخوفة ليردع الناس عن المعاصي، ثم يتبعها بالأحاديث الدالة على الرجاء والثواب ليبعث فيهم الأمل. كانت دروسه تتسم بالعمق والتنوع، مما جعلها مصدر إلهام وتوجيه للكثيرين. وبفضل إخلاصه وتفانيه، استطاع أن يؤسس لنفسه مكانة مميزة في قلوب الناس، سواء كانوا من العلماء أو العوام، مما جعله مرجعاً علمياً ومؤثراً في عصره.
اليوم النموذجي في حياة الشيخ
استيقظ الشيخ بدر الدين الحسني كل يوم قبل الفجر، تاركًا دفء الفراش ليقف بين يدي الله في صلاة التهجد. لم تكن صلاته مجرد روتين ديني، بل كانت لحظة صفاء وتواصل عميق مع الله، حيث كان يقضي الساعات في تلاوة القرآن والدعاء والتضرع. بعد ذلك، كان يتوجه إلى الجامع الأموي لصلاة الفجر مع الجماعة، محاطًا بتلاميذه ومحبيه الذين يحرصون على الاقتداء به في هذه العبادة اليومية. بعد صلاة الفجر، كان الشيخ يعود إلى غرفته في دار الحديث الأشرفية ليكمل أوراده وأذكاره، محصنًا نفسه بذكر الله قبل أن يبدأ يومه الطويل.
مع بزوغ الفجر، يبدأ الشيخ بتدريس العلوم الشرعية، مستعرضًا براعته في تفسير البيضاوي، الحديث، الفقه، والعديد من العلوم الأخرى. كان درسه ممتدًا طوال النهار، حيث يجتمع حوله طلاب العلم من مختلف الأعمار والمستويات. كانت دروسه تتميز بالتنوع والعمق، فهو ينتقل بسلاسة بين المواضيع العلمية والفلسفية، مما يجعل جلساته العلمية مقصدًا للمتعلمين والمثقفين.
بعد صلاة المغرب، كان الشيخ يواصل التدريس في منزله، حيث يفتح أبوابه لمن يرغب في الاستزادة من علمه. كان هذا الدرس المسائي يستمر حتى وقت العشاء، حيث كان يناقش فيه المواضيع المستعصية ويجيب على أسئلة الحاضرين بأسلوبه المميز الذي يجمع بين البساطة والعمق. بعد صلاة العشاء، كان الشيخ يذهب إلى مضجعه وهو ذاكر لله، مستغلاً كل لحظة في حياته ليتقرب بها إلى الله. لم يكن وقت نومه مجرد فترة للراحة الجسدية، بل كان يشغل قلبه وعقله بذكر الله، ليبدأ يومًا جديدًا بروح متجددة وعزيمة قوية لمواصلة رسالته في نشر العلم وخدمة الأمة.
مكانة الشيخ الاجتماعية والسياسية
احتل الشيخ بدر الدين الحسني مكانة رفيعة في المجتمع السوري بفضل علمه وورعه وتفانيه في خدمة الناس. كان يحظى باحترام الجميع، من العامة إلى النخبة، والعلماء إلى الحكام، الذين كانوا يقدرون علمه وتأثيره. رغم ذلك، حرص الشيخ بدر الدين على الابتعاد عن أي مناصب سياسية أو مناصب تجلب له النفوذ والسلطة، مفضلاً الزهد والتواضع. لقد رفض بشكل قاطع العديد من العروض لتولي مناصب رسمية، منها دعوة السلطان عبد الحميد لزيارة اسطنبول، ودعوة القيصر نقولا الثاني للمشاركة في احتفال الذكرى 300 لحكم عائلة رومانوف في روسيا.
في زمن الاحتلال الفرنسي لسوريا، أثبت الشيخ بدر الدين الحسني موقفه الثابت والشجاع، حيث دعا إلى الجهاد ضد المستعمرين، مشجعاً الناس على الوقوف صفاً واحداً ضد الاحتلال. رفض تقديم أي فتوى تبرر إعدامات الثوار والمفكرين، مؤكدًا على حرمة دم المسلم وأهمية الوحدة الوطنية. حين طُلب منه إصدار فتوى بوجوب قتال الشريف حسين أثناء الثورة العربية الكبرى، رفض ذلك أيضًا، معتبرًا أن وحدة الأمة الإسلامية أكبر من أي خلاف سياسي.
كان الشيخ بدر الدين يحظى بتقدير كبير لدرجة أن الحكام والقضاة كانوا يجلسون إلى جانبه في دروسه، ويستمعون له بتواضع واحترام. لم يكن تأثيره مقتصرًا على المجال الديني فقط، بل امتد إلى المجال الاجتماعي والسياسي، حيث كان يشجع الناس على التكاتف والوحدة لمواجهة الظلم والطغيان. كان يقابل الثوار ويوجههم وينصحهم، ويحثهم على الثبات والصمود، مما جعله رمزاً للمقاومة والتضحية في سبيل الوطن.
وقوف الشيخ ضد المستعمر الفرنسي
عند قدوم الفرنسيين إلى سوريا، وقف الشيخ بدر الدين الحسني بحزم ضد الاحتلال ودعا الناس إلى محاربته. بصفته مرجعًا دينيًا وعلميًا مؤثرًا، كانت كلماته وأفعاله تلقى صدى كبيرًا بين الشعب. لم يكتفِ بالدعوة النظرية للقتال، بل اتخذ خطوات عملية لتحفيز الناس على مقاومة المحتل. قام بجولات في المدن السورية من الشمال إلى الجنوب، متنقلاً بين حلب، وحمص، وحماة، ودمشق، لحث الناس على الصمود في وجه الاحتلال الفرنسي.
كان الشيخ بدر الدين يلتقي بالمقاتلين والثوار، ويعقد الاجتماعات السرية معهم، موفرًا لهم النصح والتوجيه الديني والاستراتيجي. لعب دورًا بارزًا في دعم الثوار ليس فقط معنوياً بل مادياً أيضاً، حيث قام بتنظيم جمع الأموال والمؤن لدعم الثوار من خلال شبكة واسعة من تلامذته ومريديه المخلصين. كانت تلك الجهود تتم بسرية تامة لتجنب انتقام الفرنسيين.
وفي كثير من الأحيان، كان الشيخ يوجه خطبه ومواعظه إلى الحكام والقضاة لتحفيزهم على الوقوف في صف الشعب والمجاهدين، مما زاد من قوة المقاومة ووحد صفوفها. لم تقتصر جهوده على الرجال فقط، بل شجع النساء أيضاً على المساهمة في القتال من خلال تقديم الدعم اللوجستي والمعنوي للمقاتلين.
تصدى الشيخ بدر الدين لمحاولات الفرنسيين لقمع الثورة بفتاوى دينية، مؤكدًا أن القتال في سبيل الله لتحرير الأرض والعرض من المحتلين هو واجب شرعي. قدم المساعدات العينية والنقدية للثوار، وكانت دار الحديث الأشرفية مقرًا لتنسيق جهود المقاومة، حيث كان يتلقى التقارير اليومية من قادة الثوار ويوجههم بالتعليمات اللازمة.
تحولت مواعظه ودروسه في المساجد إلى منابر تحريضية ضد الاحتلال، تلهب حماس الناس وتزيد من عزيمتهم في الكفاح. نتيجة لذلك، أصبحت شخصية الشيخ بدر الدين رمزًا للكفاح في سوريا، وأثره ما زال يمتد إلى يومنا هذا كمثال للتضحية والنضال في سبيل الحرية والاستقلال.
الشيخ بدر الدين: نور علمي لا ينطفئ
أثر الشيخ بدر الدين الحسني تأثيرًا عميقًا على جيل كامل من العلماء والطلاب، بفضل أسلوبه الفريد والمبتكر في التدريس الذي جمع بين العمق العلمي والبساطة في الطرح. كانت دروسه في الحديث والفقه واللغة والعلوم الأخرى تنبض بالحياة، مما جعلها مصدر إلهام وتوجيه لأجيال متعاقبة من العلماء وطلبة العلم.
من تلاميذه البارزين الذين نهلوا من علمه وتأثروا بأسلوبه الفريد: الشيخ مكي الكتاني، المعروف بعلمه الواسع في الفقه والتفسير، والذي أصبح أحد أبرز العلماء في دمشق. كذلك، الشيخ عبد الكريم الرفاعي، الذي كان له دور كبير في نشر العلم الشرعي وتربية جيل من العلماء والأئمة. الشيخ محمد صالح الفرفور، الذي اشتهر بإتقانه للعلوم الشرعية واللغة العربية، وكان له أثر كبير في تعليم وتوجيه طلابه. الشيخ محمود الحسني الحنبلي، الذي ساهم في نشر الفقه الحنبلي والعلوم الشرعية في سوريا.
تتلمذ على يده أيضًا الشيخ محمد سعيد البرهاني، الذي كان له دور بارز في تدريس الحديث والتفسير، والشيخ محمود الشقفة الحموي، الذي تميز في علوم الشريعة واللغة العربية، وأخيرًا الشيخ عبد الحكيم كفتارو، الذي كان له دور محوري في الدعوة والإرشاد، وتأسيس المدارس والمعاهد الشرعية.
لقد كان تأثير الشيخ بدر الدين الحسني يتجاوز حدود الزمان والمكان، حيث استمرت آراؤه وتعاليمه في التأثير على الفقه الإسلامي والفكر الديني حتى بعد وفاته. كان يُعتبر موسوعة علمية حية، يجمع بين أصالة الفقه الإسلامي وعمق الفهم المعاصر، مما جعله مرجعًا لا يُستغنى عنه في العديد من القضايا الشرعية والفكرية. بفضل جهوده وإخلاصه في التعليم، استطاع أن ينير طريق المعرفة لعدد لا يُحصى من الطلاب والعلماء، مسطرًا اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ العلم والدين الإسلامي.
وفاة الشيخ بدر الدين الحسني
توفي الشيخ بدر الدين الحسني في يوم الجمعة، 28 يونيو 1935، في دمشق، عن عمر يناهز 85 عامًا، بعد حياة حافلة بالعلم والجهاد. خبر وفاته كان له وقع كبير على المجتمع السوري بكافة فئاته، حيث شعر الناس بفقدان شخصية علمية وروحية عظيمة. ودفن في مقبرة الباب الصغير، وهي إحدى المقابر التاريخية في دمشق، التي تحتضن العديد من أعلام الشام.
جنازته كانت موكباً ضخماً لا يُنسى، حيث امتلأت شوارع دمشق بآلاف المشيعين الذين توافدوا لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على الشيخ الجليل. كانت الجنازة حدثًا مهيبًا، شاركت فيه جميع فئات المجتمع من العلماء والطلاب والسياسيين إلى عامة الناس. صُلي عليه في الجامع الأموي، حيث امتلأ المسجد وساحته بالمصلين والمحبين. تولى ابنه الشيخ تاج الدين الحسني، رئيس الجمهورية السورية في عهد الانتداب الفرنسي، الصلاة عليه وقراءة الوصية التي تركها والده.
من المواقف المؤثرة في جنازته، أن الناس كان يرددون الأذكار والتهليل والتكبير، وامتلأت الأجواء بروحانية تعبر عن الحزن العميق لفقدان الشيخ بدر الدين، وأيضًا عن الامتنان لتركه إرثًا علميًا وروحيًا سيظل مؤثرًا في الأجيال القادمة. رغم تزايد أعداد المشيعين، لم يصل الموكب إلى مقبرة الباب الصغير إلا بعد مرور عدة ساعات لشدة الزحام، حيث أراد كل شخص أن يكون جزءًا من هذا الوداع الكبير.
ترك الشيخ بدر الدين الحسني خلفه إرثًا علمياً عظيماً يمتد إلى مختلف العلوم الشرعية والدينية، كما أثر تأثيراً مستمراً في المجتمع السوري والعربي. تلامذته وطلابه استمروا في نقل علمه وتعاليمه، محاولين الحفاظ على نهجه في طلب العلم ونشره. بالإضافة إلى ذلك، تميزت حياته بكونه مثالًا للورع والزهد، ومقاومته المستمرة ضد الظلم والاحتلال، مما جعله رمزًا للشجاعة والاستقامة. تأثيره لا يزال حاضرًا في قلوب الناس، وأثره العلمي والروحي مستمر في تأجيج شعلات المعرفة والدين في المنطقة.
مؤلفات الشيخ وأثره
رغم أن الشيخ بدر الدين الحسني لم يكن يحب التصنيف والتأليف بكثرة، إلا أن ما كتبه كان يمثل قيمة علمية عالية، ويعكس عمق معرفته وتنوع اهتماماته العلمية. من بين أعماله البارزة، “الدّرر البهية في شرح المنظومة البيقونية”، وهو شرح متميز لعلم مصطلح الحديث، حيث يوضح فيه تفاصيل هذا العلم بأسلوب سلس ومبسط، يجمع بين دقة المعلومة وسهولة الفهم.
إضافة إلى ذلك، كتب الشيخ رسالة في سنده لصحيح البخاري، حيث سرد فيها الأسانيد التي تلقاها عن مشايخه، مما يبرز مكانته كحافظ للحديث ومحدث بارع. كما كتب شرحًا مفصلاً لقصيدة “غرامي صحيح” في مصطلح الحديث، مضيفًا بذلك لمسة فريدة من الشرح والتحليل العميق.
ويشير من قرأوا عليه مدة طويلة إلى أنه ألف نحو أربعين كتاباً قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره. بعض هذه الكتب شمل حاشية على “شرح الرحبية” في علم الفرائض، و”روض المعاني” في شرح عقيدة العلامة الشيباني، و”البدور الجلية” في شرح نظم السنوسية. كان له شروح على كتب العقائد والفقه، وحاشية على شرح الجلالين في التفسير، وحواشي على شروح الشذور والقطر في النحو، وشرح “السلم” في المنطق.
أثر الشيخ بدر الدين الحسني لم يكن محدوداً بكتبه فقط، بل امتد تأثيره إلى طلابه وتلاميذه الذين نشروا علمه وطريقته في التعليم. كانت دروسه تشمل شرح الحديث، التفسير، الفقه، والعلوم الأخرى، مما جعلها مقصدًا للطلاب والعلماء من مختلف المناطق. بأسلوبه المميز وقدرته على الشرح والتبسيط، ساهم الشيخ في تكوين جيل من العلماء والمربين الذين واصلوا نهجه، مما ترك إرثًا علميًا وروحيًا مستمرًا.