أزمة في "تماسك": انسحاب أحزاب ونفي الرابطة يثير تساؤلات حول مستقبل التحالف السوري؟

شهدت العاصمة السورية دمشق مؤخرًا إطلاق تحالف سياسي جديد تحت مسمى “تحالف المواطنة السورية المتساوية” أو ما يعرف اختصارًا بـ “تماسك”، والذي أعلن عن تبنيه نظامًا لامركزيًا وحلًا ديمقراطيًا للقضية الكردية كأهداف رئيسية يسعى لتحقيقها . ضم التحالف في صفوفه عند الإعلان عنه عدة أحزاب وتيارات سياسية متنوعة، من بينها مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الذي يعتبر الجناح السياسي لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وحزب الإرادة الشعبية بزعامة قدري جميل المدعوم من روسيا، وحزب الشباب الوطني السوري المرخص رسميًا منذ عهد النظام السابق ويتزعمه نبيل مرهج، بالإضافة إلى حزب الانتماء السوري الديمقراطي بقيادة رجا الدامقسي، وحزب العمل الشيوعي .
إلا أن فرحة الإعلان عن هذا التكتل السياسي الجديد لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما واجه “تحالف تماسك” تحديات مبكرة تهدد تماسكه ووحدته. ففي غضون ساعات قليلة من صدور بيانه التأسيسي، أعلن الحزب الشيوعي السوري والحزب السوري القومي الاجتماعي انسحابهما من التحالف . ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل سارعت رابطة الصحفيين السوريين إلى نفي أي صلة لها بالتحالف، موضحة أن مشاركة مدير مكتبها في دمشق في الاجتماع التأسيسي كانت بصفته الشخصية لا ممثلًا للرابطة . هذه التطورات المتسارعة تطرح تساؤلات جدية حول مستقبل هذا التحالف الوليد وقدرته على الاستمرار ككيان سياسي موحد قادر على التأثير في المشهد السوري المعقد. فهل تشير هذه الانسحابات المبكرة إلى خلافات عميقة قد تتسبب في تصدع التحالف قبل أن يبدأ فعليًا في ممارسة أي دور سياسي؟
أسباب الانسحاب المبكر: خلافات جذرية حول رؤية سوريا المستقبلية
تعود الأسباب الرئيسية وراء الانسحاب السريع للحزبين البارزين من “تحالف تماسك” إلى خلافات جوهرية تتعلق برؤيتهما لمستقبل سوريا، وخاصة فيما يتعلق بمسارين حاسمين: القرار الأممي رقم 2254 والملف الكردي. فقد أعلنت تقارير إخبارية أن الحزب الشيوعي السوري اتخذ قرار الانسحاب بسبب رفضه للقرار الأممي 2254 . يمثل هذا القرار إطارًا دوليًا متفقًا عليه للحل السياسي في سوريا، حيث يدعو إلى انتقال سياسي شامل بقيادة سورية وتيسير من الأمم المتحدة. من الواضح أن رفض الحزب الشيوعي لهذا القرار يشير إلى تبنيه مقاربة مختلفة جذريًا للأزمة السورية وكيفية تسويتها، مما جعله على خلاف مع بقية مكونات “تحالف تماسك” التي يبدو أنها تتبنى هذا القرار كمرجعية أساسية. هذا الاختلاف الجوهري في الرؤى حول العملية السياسية يمثل نقطة خلاف عميقة يصعب تجاوزها في إطار تحالف واحد.
أما الحزب السوري القومي الاجتماعي، فقد أشارت التقارير إلى أن سبب انسحابه يعود إلى اعتراضه على موقف “تحالف تماسك” من القضية الكردية . تعتبر القضية الكردية من أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية في سوريا، حيث تتداخل فيها مسائل الهوية والحقوق والمطالب بالحكم الذاتي أو اللامركزية. من الواضح أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لديه تحفظات أو رؤية مختلفة حول كيفية التعامل مع هذه القضية مقارنة بما يطرحه “تحالف تماسك”، الذي يدعو صراحة إلى حل ديمقراطي لها . هذا التباين في المواقف تجاه ملف بهذه الأهمية يكشف عن وجود اختلافات جوهرية في تصور مستقبل سوريا وتوزيع السلطات فيها، مما يجعل استمرار الحزبين في إطار تحالف واحد أمرًا غير ممكن.
رابطة الصحفيين السوريين تنفي الانضمام: تحفظات مهنية أم سياسية؟
لم يقتصر التحدي الذي واجه “تحالف تماسك” على انسحاب الأحزاب السياسية، بل امتد ليشمل نفي رابطة الصحفيين السوريين انضمامها إلى التحالف . أوضحت الرابطة بشكل قاطع أنها لم تنضم إلى هذا التحالف، مؤكدة أن حضور مدير مكتبها في دمشق للاجتماع التأسيسي كان بصفة شخصية فقط . هذا النفي العلني والسريع من قبل كيان مهني بارز يثير تساؤلات حول دوافعه وما إذا كانت تحفظاته مهنية أم سياسية.
من المنظور المهني، قد يكون قرار الرابطة بالابتعاد عن أي تحالف سياسي نابعًا من رغبتها في الحفاظ على استقلاليتها وحياديتها كمؤسسة تمثل الصحفيين السوريين بمختلف توجهاتهم. فالانضمام إلى تحالف ذي أجندة سياسية محددة قد يُنظر إليه على أنه انحياز لطرف معين، مما قد يقوض مصداقية الرابطة ودورها في الدفاع عن حرية الصحافة وحقوق الصحفيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون الرابطة لديها تحفظات سياسية محددة تجاه التكوين الحالي لتحالف “تماسك” أو الأهداف التي أعلن عنها. بالنظر إلى التنوع السياسي في المشهد السوري، قد ترى الرابطة أن الانضمام إلى هذا التحالف قد لا يخدم مصالح جميع أعضائها أو قد يتعارض مع رؤيتها لمستقبل الإعلام في سوريا. إن هذا الموقف يعكس حرص المؤسسات المهنية على النأي بنفسها عن التجاذبات السياسية للحفاظ على دورها ومصداقيتها في خدمة القطاع الذي تمثله.
رد فعل “تماسك”: حذف الأسماء وتجاهل التصدعات؟
في المقابل، يبدو أن رد فعل “تحالف تماسك” على هذه الانسحابات والنفي كان متحفظًا إن لم يكن متجاهلًا. فلم يصدر عن التحالف أي بيان رسمي أو تعليق يوضح موقفه من هذه التطورات . اقتصرت الإجراءات التي اتخذها التحالف على حذف أسماء الحزب الشيوعي السوري والحزب السوري القومي الاجتماعي، بالإضافة إلى رابطة الصحفيين السوريين، من قائمة التيارات الموقعة على البيان التأسيسي عبر صفحته على موقع فيسبوك .
هذا الصمت الرسمي وعدم صدور أي توضيح من قبل “تحالف تماسك” يمكن تفسيره بعدة طرق. قد يكون التحالف يسعى إلى التقليل من شأن هذه الانسحابات المبكرة وتجنب إظهار أي انقسام أو ضعف في صفوفه في بداية مسيرته. كما قد يعكس هذا الرد المتحفظ وجود خلافات داخل التحالف نفسه حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة المبكرة. فبدلًا من إصدار بيان قد يكشف عن المزيد من الخلافات أو يثير المزيد من التساؤلات، ربما فضل التحالف التزام الصمت والاكتفاء بإجراءات شكلية مثل حذف الأسماء. ومع ذلك، فإن هذا النهج قد لا يكون كافيًا لتهدئة المخاوف أو تبديد الشكوك حول مستقبل التحالف وقدرته على تجاوز هذه التحديات. فبدون معالجة الأسباب الجذرية لهذه الانسحابات وتقديم توضيحات مقنعة للرأي العام، قد يواجه “تحالف تماسك” صعوبة في بناء الثقة والمصداقية اللازمتين لتحقيق أهدافه المعلنة.
شخصيات في دائرة الضوء: أدوار فردية في التحالف الوليد
على الرغم من أن التركيز الأكبر ينصب على انسحاب الكيانات التنظيمية، إلا أن دور الأفراد يظل مهمًا في فهم ديناميكيات التحالف. تجدر الإشارة هنا إلى مدير مكتب رابطة الصحفيين السوريين في دمشق، الذي لم يتم ذكر اسمه صراحة في المقتطفات المتوفرة، ولكن مشاركته الشخصية في الاجتماع التأسيسي للتحالف هي التي دفعت الرابطة إلى إصدار بيان توضيحي ينفي انضمامها . هذا يشير إلى أن بعض الشخصيات قد تتخذ مواقف فردية قد لا تعكس بالضرورة موقف المؤسسة التي يمثلونها، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي. أما بالنسبة لقادة الأحزاب المنسحبة أو الشخصيات البارزة الأخرى في “تحالف تماسك”، فإن المقتطفات المتوفرة لا تقدم تفاصيل كافية حول أدوارهم الفردية في هذه الأحداث.
خاتمة: مستقبل “تماسك” في مهب الريح؟
في الختام، يمكن القول إن ولادة “تحالف تماسك” في دمشق كانت متعثرة ومليئة بالتحديات منذ اللحظات الأولى. فالانسحاب السريع لحزبين سياسيين بارزين بسبب خلافات جوهرية حول قضايا مركزية مثل القرار الأممي 2254 والملف الكردي، بالإضافة إلى نفي رابطة الصحفيين السوريين انضمامها للتحالف، يثير علامات استفهام كبيرة حول استقرار هذا التحالف الوليد وقدرته على تحقيق الأهداف التي أعلن عنها.
هذه الأحداث المبكرة تسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه أي محاولة لتشكيل تكتلات سياسية موحدة في ظل الانقسامات العميقة وتعدد الآراء حول مستقبل سوريا. فالفشل في تحقيق توافق مبدئي حول القضايا الأساسية قد يؤدي إلى تفكك التحالفات قبل أن تبدأ فعليًا في ممارسة أي دور مؤثر. إن رد الفعل المتحفظ من قبل “تحالف تماسك” على هذه التطورات، والذي اقتصر على حذف الأسماء دون تقديم أي تفسير أو معالجة للأسباب الجذرية للانسحاب، قد يزيد من حالة عدم اليقين ويضعف الثقة في قدرة التحالف على تجاوز هذه العقبات.
لذلك، يبدو أن مستقبل “تحالف تماسك” يعتمد بشكل كبير على قدرته على معالجة هذه الانقسامات الداخلية، وتوضيح رؤيته بشكل مقنع، وبناء الثقة مع مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد السوري. فبدون تحقيق قدر من التوافق الداخلي وتقديم رؤية واضحة وموحدة لمستقبل سوريا، قد يجد “تحالف تماسك” نفسه أمام مهمة صعبة للغاية في البقاء ككيان سياسي مؤثر على المدى الطويل.
أسباب الانسحاب من “تحالف تماسك”
الكيان المنسحب | سبب الانسحاب |
الحزب الشيوعي السوري | رفض القرار الأممي رقم 2254 |
الحزب السوري القومي الاجتماعي | الاعتراض على موقف التحالف من القضية الكردية |