مال وأعمال

تحليل لقطاع الفوسفات في سوريا حتى عام 2025: الفرص والتحديات

تعتبر سوريا من الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الفوسفات، حيث تقدر بنحو 1.7 مليار طن إلى 1.8 مليار طن ، مما يضعها في مكانة استراتيجية على خريطة إنتاج وتصدير هذا المورد الهام. يكتسب قطاع الفوسفات أهمية خاصة كونه المكون الأساسي في صناعة الأسمدة الفوسفاتية، التي تلعب دوراً حيوياً في تعزيز الأمن الغذائي العالمي . فمع تزايد عدد سكان العالم والطلب المتزايد على الغذاء، يصبح توفير الأسمدة الفعالة أمراً ضرورياً لزيادة الإنتاج الزراعي. هذه المقالة تقدم تحليلاً شاملاً لقطاع الفوسفات في سوريا حتى عام 2025، مستعرضة تاريخه، وواقعه الحالي، وأهميته الاقتصادية، والتحديات التي يواجهها، والفرص المتاحة لتطويره، بالإضافة إلى مقارنته بإنتاج الدول الأخرى، وتوقعات الخبراء لمستقبله.  

تاريخ استخراج الفوسفات في سوريا: من الاكتشاف إلى التحديات المعاصرة

تعود بدايات الاهتمام برواسب الفوسفات في سوريا إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما أجرت فرنسا دراسات محدودة في منطقة السخنة . إلا أن الدراسات المكثفة التي أكدت وجود كميات كبيرة من الفوسفات في مناطق البادية السورية، مثل خنيفيس والسوانة ووادي العوابد، بدأت في أوائل الستينيات بواسطة بعثة سوفيتية . وفي عام 1970، تأسست الشركة العامة للفوسفات والمناجم (GECOPHAM) بهدف استثمار هذه الثروة الطبيعية . شهد عام 1971 افتتاح منجم خنيفيس، الذي يعتبر اليوم أكبر منجم للفوسفات في سوريا، بطاقة إنتاجية أولية تقدر بنحو 300 ألف طن سنوياً .  

شهدت الفترة التي تلت ذلك توسعاً ملحوظاً في قطاع الفوسفات السوري. فبعد عام 1998، تضاعفت الاحتياطيات لتصل إلى 1.8 مليار طن بحلول عام 2009 . ونتيجة لذلك، ارتفعت صادرات سوريا من الفوسفات لتتجاوز 3.2 مليون طن سنوياً، مما جعلها من بين أكبر الدول المصدرة للفوسفات على مستوى العالم بحلول عام 2011، حيث احتلت المرتبة الخامسة في قائمة الدول المصدرة .  

إلا أن هذا الازدهار لم يستمر طويلاً، حيث أثرت الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 2011 بشكل كبير على قطاع الفوسفات. ففي عام 2015، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق واسعة في سوريا، بما في ذلك مناجم الفوسفات بالقرب من تدمر، مما أدى إلى توقف شبه كامل للإنتاج في عام 2016 . في عام 2016، استعادت القوات الحكومية السورية السيطرة على هذه المناطق بدعم من روسيا، وفي عام 2018، مُنحت شركة ستروي ترانس غاز الروسية عقداً لإدارة بعض المرافق . وفي نفس العام، حصلت شركة ستروي ترانس غاز لوجستيك، وهي شركة أخرى مرتبطة بستروي ترانس غاز، على عقد لمدة 50 عاماً يمنحها الحق في 70% من عائدات مبيعات أكبر مناجم الفوسفات السورية الواقعة بالقرب من تدمر . هذا التطور يمثل تحولاً هاماً في إدارة واستغلال موارد الفوسفات السورية.  

الإنتاج الحالي للفوسفات في سوريا: تحليل الوضع الراهن حتى عام 2025

شهد قطاع الفوسفات في سوريا تعافياً تدريجياً في الإنتاج بعد عام 2018، تزامناً مع استقرار الأوضاع الأمنية نسبياً في بعض المناطق . ففي الفترة الممتدة بين عامي 2018 و 2020، قُدر متوسط الإنتاج السنوي للفوسفات بنحو 350 ألف طن . وفي عام 2021، أعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية عن زيادة كبيرة في الإنتاج بلغت 214% مقارنة بعام 2020، ليصل إلى 1.1 مليون طن من حيث الوزن الإجمالي . ومع ذلك، لا يزال هذا الرقم أقل بكثير من مستويات الإنتاج التي كانت تسجل قبل الحرب، والتي وصلت إلى 3.2 مليون طن في عام 2011 .  

تتولى الشركة العامة للفوسفات والمناجم (GECOPHAM) حالياً عمليات إنتاج الفوسفات من ثلاثة مناجم رئيسية تقع في منطقة تدمر الشرقية، وهي الخنيفيس والشرقية A والشرقية B . وتبلغ القدرة الإنتاجية لهذه المناجم مجتمعة حوالي 2.6 مليون طن سنوياً (1.1 مليون طن للخنيفيس، و 800 ألف طن للشرقية A، و 700 ألف طن للشرقية B) . بالإضافة إلى ذلك، أبرمت الحكومة السورية عدة اتفاقيات مع شركات أجنبية للتنقيب عن الفوسفات واستغلاله، بما في ذلك شركات من إيران وروسيا وصربيا .  

اقرأ أيضاً:  الزيتون السوري: كنز زراعي متأصل في التاريخ

كانت الحكومة السورية قد وضعت خططاً طموحة لزيادة إنتاج الفوسفات إلى 6 ملايين طن على المدى القصير و 10 ملايين طن على المدى الطويل، وذلك من خلال تطوير وتحديث خطوط السكك الحديدية التي تربط المناجم بميناء التصدير الرئيسي في طرطوس . ومع ذلك، لم يتم الإبلاغ عن أي تقدم يذكر في عمليات المشروع المشترك الذي كان من المفترض إنشاؤه بين الحكومة السورية وشركة OAO Stroytransgaz الروسية بحلول نهاية عام 2020 .  

جدول: إنتاج الفوسفات في سوريا (2010-2021)

السنةحجم الإنتاج (ألف طن)
2010غير متاح
20113200
2012-2017انخفاض كبير بسبب الحرب
2018350
2019220 (صادرات) / 350 (تقدير)
2020350
20211100

ملاحظة: البيانات مجمعة من مصادر مختلفة وقد لا تكون دقيقة تماماً.

الأهمية الاقتصادية لقطاع الفوسفات في سوريا وتأثيره على الناتج المحلي الإجمالي والتنمية

على الرغم من التحديات التي واجهها قطاع التعدين في سوريا بسبب الحرب، إلا أنه لا يزال يساهم في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ففي عام 2021، بلغ الناتج المحلي الإجمالي من قطاع التعدين 65.842 مليون ليرة سورية (بالأسعار الثابتة لعام 2000) . وفي عام 2022، شهد الناتج المحلي الإجمالي من قطاع التعدين والتصنيع والمرافق ارتفاعاً ملحوظاً ليصل إلى 10,266,981 مليون ليرة سورية (بالأسعار الجارية) . ورغم أن هذه الأرقام تشمل قطاعات أخرى غير الفوسفات، إلا أن حجم إنتاج الفوسفات يشير إلى مساهمة لا يستهان بها في هذا الإجمالي.  

قبل الحرب، كانت صادرات الفوسفات تمثل مصدراً هاماً للعملة الصعبة للحكومة السورية . وفي ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، يستمر تصدير الفوسفات، حتى بكميات أقل، في توفير بعض الإيرادات الأجنبية التي تحتاجها البلاد بشدة .  

بالإضافة إلى ذلك، يلعب قطاع الفوسفات دوراً في التنمية المحلية والتوظيف. فهو يوفر فرص عمل في المناجم ومرافق المعالجة والنقل. ومع الجهود المبذولة لإعادة تأهيل وتطوير هذا القطاع، من المتوقع أن يخلق المزيد من فرص العمل ويساهم في التنمية الاقتصادية للمناطق التي تقع فيها المناجم .  

اقرأ أيضاً:  الاستثمار في سوريا: المخاطر والمكافآت

التحديات التي تواجه قطاع الفوسفات في سوريا: العقوبات والأوضاع الجيوسياسية وتأثيرها

يواجه قطاع الفوسفات في سوريا العديد من التحديات التي تعيق نموه وتطوره. من أبرز هذه التحديات تأثير العقوبات الدولية المفروضة على الحكومة السورية والشركات المتعاملة معها، والتي أدت إلى صعوبات في التجارة والتمويل . وقد حذر قانون قيصر الأمريكي الشركات الأجنبية من الدخول في اتفاقيات تجارية مع الحكومة السورية . ورغم العقوبات المفروضة على شركة ستروي ترانس غاز الروسية، إلا أن بعض الدول الأوروبية استمرت في استيراد الفوسفات السوري، مستغلة ثغرات قانونية في تطبيق العقوبات .  

كما أن الأوضاع الجيوسياسية والصراع المستمر في البلاد يشكل تحدياً كبيراً. فقد أدت الحرب الأهلية إلى تدمير البنية التحتية وتعطيل الإنتاج والنقل . ولا تزال السيطرة على مناطق مختلفة من سوريا متنازع عليها، مما يؤثر على الوصول إلى المناجم وتأمين طرق النقل . وهناك تخوف من أن يؤدي أي تغيير في النظام السياسي وانسحاب روسيا المحتمل إلى مزيد من الاضطرابات في إنتاج الفوسفات .  

بالإضافة إلى ذلك، يواجه القطاع تحديات لوجستية تتعلق بالبنية التحتية المتهالكة. فقد تضرر خط السكك الحديدية الذي ينقل الفوسفات إلى ميناء طرطوس، مما يعيق خطط زيادة الإنتاج . كما أن ميناء طرطوس نفسه لديه قيود على استقبال السفن الكبيرة . وهناك أيضاً نقص في الإمدادات الأساسية مثل الغاز الطبيعي والكهرباء وقطع الغيار اللازمة لتشغيل مصانع الأسمدة .  

فرص تطوير قطاع الفوسفات في سوريا: استراتيجيات لزيادة الإنتاج والتصدير والاستثمار

رغم التحديات، تتوفر فرص كبيرة لتطوير قطاع الفوسفات في سوريا. هناك إمكانية لجذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة تأهيل وتحديث مناجم الفوسفات ومرافق المعالجة، خاصة مع وجود اتفاقيات موقعة بالفعل مع شركات من إيران وروسيا وصربيا .  

توجد خطط طموحة لزيادة القدرة الإنتاجية للفوسفات إلى 6 ملايين طن على المدى القصير و 10 ملايين طن على المدى الطويل . لتحقيق ذلك، من الضروري تطوير البنية التحتية للنقل، بما في ذلك تحديث خطوط السكك الحديدية وتوسيع قدرة الموانئ .  

بالإضافة إلى الاستخدام التقليدي للفوسفات في صناعة الأسمدة، يمكن استكشاف فرص استخدامه في صناعات أخرى، مثل إنتاج حامض الفوسفوريك عالي النقاء . كما أن هناك اهتماماً متزايداً باستخراج اليورانيوم كمنتج ثانوي من الفوسفات السوري، وهو ما يمكن أن يضيف قيمة اقتصادية كبيرة للقطاع .  

على صعيد التصدير، لا تزال هناك أسواق في أوروبا ودول أخرى تستورد الفوسفات السوري رغم العقوبات . ويمكن أيضاً استهداف أسواق جديدة في آسيا، مثل الهند، التي تعتبر سوقاً واعدة للفوسفات السوري نظراً لطلبها الكبير على الأسمدة .  

جدول: وجهات تصدير الفوسفات السوري الرئيسية (2018-2023)

السنةوجهات التصدير الرئيسية
2018صربيا، إيران، أوكرانيا
2019صربيا، إيران، أوكرانيا
2020صربيا، أوكرانيا
2021غير متاح
2022إيطاليا، بلغاريا، إسبانيا، بولندا، صربيا، أوكرانيا
2023دول أوروبية (نصف الصادرات)، دول غير أوروبية

ملاحظة: البيانات مجمعة من مصادر مختلفة وقد لا تكون دقيقة تماماً.

مقارنة بين إنتاج الفوسفات في سوريا وإنتاج الدول الأخرى في المنطقة والعالم: تحليل تنافسي

تمتلك سوريا احتياطيات فوسفات كبيرة تجعلها في مصاف الدول الكبرى عالمياً في هذا المجال. فالمغرب يحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث الاحتياطيات، يليه الصين وسوريا والجزائر . وتقدر احتياطيات سوريا بنحو 1.7 إلى 1.8 مليار طن، مما يضعها في المرتبة الثالثة أو الرابعة عالمياً .  

اقرأ أيضاً:  الثروات الباطنية في سوريا: النفط والغاز الطبيعي والفوسفات

أما من حيث الإنتاج، فتتصدر الصين قائمة الدول المنتجة للفوسفات، تليها المغرب والولايات المتحدة وروسيا . قبل الحرب، كان إنتاج سوريا يقدر بنحو 3.7 مليون طن سنوياً، مما جعلها من بين أكبر المصدرين . إلا أن إنتاجها في عام 2021 بلغ 1.1 مليون طن فقط، وهو أقل بكثير من مستوياتها السابقة ومن إنتاج الدول الكبرى .  

على المستوى الإقليمي، تعتبر الأردن ومصر والجزائر من الدول الأخرى التي لديها إنتاج فوسفات . وكانت سوريا في السابق مصدراً رئيسياً للفوسفات إلى لبنان ودول أوروبا الشرقية . ولاستعادة مكانتها التنافسية، تحتاج سوريا إلى معالجة تحديات الإنتاج واللوجستيات.  

جدول: مقارنة احتياطيات وإنتاج الفوسفات في الدول الرئيسية (تقديرات 2023/2024)

الدولةالاحتياطيات (مليار طن)الإنتاج السنوي (مليون طن)
المغرب5039
الصين3.193
سوريا1.7-1.81.1 (في 2021)
الجزائر2.21.8
الولايات المتحدةغير متاح في المصدر19.6-20 (في 2023/2024)
روسياغير متاح في المصدر14

ملاحظة: البيانات هي تقديرات وقد تختلف بين المصادر.

توقعات الخبراء حول مستقبل قطاع الفوسفات في سوريا حتى عام 2025: اتجاهات وفرص محتملة

تشير بعض التقارير إلى أن صادرات الفوسفات السورية قد تشهد انخفاضاً طفيفاً في عام 2025 بسبب استمرار الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة . ومع ذلك، يرى خبراء أن هناك إمكانية كبيرة لزيادة الإنتاج إذا تحقق الاستقرار السياسي في البلاد وتم جذب المزيد من الاستثمارات لتطوير القطاع .  

على صعيد السوق العالمي، من المتوقع أن يزداد الطلب على الفوسفات بشكل عام بسبب النمو السكاني العالمي وزيادة الحاجة إلى الغذاء . وقد يؤدي انخفاض الإمدادات من بعض الدول الأخرى إلى زيادة الاعتماد على الفوسفات السوري إذا تمكنت سوريا من رفع مستوى إنتاجها .  

هناك أيضاً اتجاه عالمي متزايد نحو استخدام الأسمدة الفوسفاتية المستدامة والصديقة للبيئة . ولذلك، قد تحتاج سوريا إلى تبني تقنيات جديدة في استخراج ومعالجة الفوسفات لتلبية هذه المتطلبات المتغيرة في السوق والمحافظة على قدرتها التنافسية .  

خاتمة وتوصيات: رؤية مستقبلية لقطاع الفوسفات في سوريا

في الختام، يمتلك قطاع الفوسفات في سوريا إمكانات هائلة نظراً للاحتياطيات الكبيرة التي تتمتع بها البلاد. ومع ذلك، يواجه القطاع تحديات كبيرة ناتجة عن سنوات من الصراع والعقوبات الاقتصادية. لتحقيق التنمية المستدامة لهذا القطاع وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني، من الضروري تحقيق الاستقرار السياسي وجذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة تأهيل البنية التحتية وتحديث عمليات الإنتاج والنقل. كما ينبغي على الحكومة السورية والجهات المعنية العمل على تطوير استراتيجيات لتوسيع الأسواق التصديرية واستكشاف فرص جديدة لاستخدام الفوسفات في صناعات أخرى، بالإضافة إلى تبني ممارسات مستدامة وصديقة للبيئة في عمليات الاستخراج والمعالجة. من خلال تضافر الجهود، يمكن لقطاع الفوسفات أن يلعب دوراً محورياً في إعادة بناء الاقتصاد السوري وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى