المكتبة الوطنية السورية: ما سر أهميتها كصرح لحفظ التراث السوري؟
كيف تسهم في حفظ الذاكرة المعرفية والتراث الوطني السوري؟

تمثل المؤسسات الثقافية الكبرى في أي بلد نافذة على ماضيه وحاضره ومستقبله، وتحتل مكانة محورية في نسيج الهوية الوطنية. تُعَدُّ المكتبات الوطنية من أبرز هذه المؤسسات التي تعكس عمق الحضارة وتحفظ الموروث الفكري للأجيال المتعاقبة.
المقدمة
تحظى المكتبة الوطنية السورية بمكانة خاصة في قلب العاصمة دمشق، حيث تمثل صرحاً ثقافياً وتاريخياً يحمل بين جنباته كنوزاً من المخطوطات والكتب والوثائق النادرة. منذ تأسيسها، أصبحت المكتبة الوطنية السورية مرجعاً أساسياً للباحثين والدارسين والمهتمين بالتراث العربي والإسلامي، فضلاً عن دورها الحيوي في خدمة المجتمع المحلي وتعزيز ثقافة القراءة والبحث العلمي.
على مر العقود، تطورت المكتبة الوطنية السورية لتواكب المتغيرات المعرفية والتقنية، مع الحفاظ على رسالتها الأساسية في صون التراث الوطني والإنساني. تضم أروقتها ملايين المواد المكتبية التي توثق الحضارة السورية عبر مختلف الحقب الزمنية، مما جعلها وجهة أساسية لكل من يسعى إلى فهم التاريخ السوري والعربي بعمق وشمولية.
النشأة والتأسيس التاريخي
بدأت فكرة إنشاء المكتبة الوطنية السورية في مطلع القرن العشرين، عندما أدركت النخب الثقافية السورية أهمية وجود مؤسسة وطنية تجمع التراث المكتوب والمطبوع. جاء التأسيس الرسمي للمكتبة الوطنية السورية في عام 1984م، وإن كانت جذورها تعود إلى مكتبة الظاهرية التاريخية التي أُنشئت في العصر المملوكي. شكّل هذا التأسيس نقطة تحول في الحياة الثقافية السورية، إذ أصبحت المكتبة الوطنية السورية المستودع الرسمي للإنتاج الفكري الوطني.
تطلب إنشاء المكتبة الوطنية السورية جهوداً كبيرة في جمع المقتنيات وتصنيفها وفق أحدث المعايير الدولية. عملت الدولة على نقل مجموعات قيمة من مختلف المكتبات الحكومية والأوقاف الإسلامية إلى المكتبة الوطنية السورية، مما أثرى محتواها وجعلها تحفة معرفية فريدة. كما تم إعداد كوادر متخصصة في علم المكتبات والأرشفة لإدارة هذا الصرح الثقافي الكبير، مما ضمن استمراريته وتقديمه لخدمات احترافية.
الموقع والمبنى
تقع المكتبة الوطنية السورية في موقع متميز في العاصمة دمشق، مما يسهل الوصول إليها من مختلف أنحاء المدينة. يعكس المبنى الذي تشغله المكتبة الوطنية السورية مزيجاً من العمارة التقليدية والحديثة، حيث يجمع بين الطابع التراثي الدمشقي والتصميم المعاصر الوظيفي. صُممت القاعات والمرافق لتلبي احتياجات الزوار المتنوعة، من قاعات مطالعة واسعة إلى غرف خاصة للباحثين.
يمتد مبنى المكتبة الوطنية السورية على مساحة كبيرة تضم عدة طوابق مجهزة بأحدث التقنيات في مجال حفظ المواد المكتبية. تشمل المرافق أنظمة تكييف خاصة للحفاظ على المخطوطات النادرة، وأنظمة إضاءة مدروسة لا تضر بالوثائق القديمة، إضافة إلى أجهزة الأمن والحماية من الحرائق. كل هذه العوامل تجعل من المكتبة الوطنية السورية بيئة مثالية لحفظ التراث الثقافي وإتاحته للجمهور بشكل آمن ومنظم.
المقتنيات والمجموعات
الكتب والمطبوعات
تحتضن المكتبة الوطنية السورية مجموعة هائلة من الكتب المطبوعة تتجاوز مليون عنوان في مختلف المجالات المعرفية. تغطي مقتنيات المكتبة الوطنية السورية العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية والتطبيقية، مما يجعلها مرجعاً شاملاً للباحثين في شتى التخصصات. تشمل المجموعة كتباً باللغة العربية وعدة لغات أجنبية، مع اهتمام خاص بالكتب التي تتناول التاريخ السوري والعربي والإسلامي.
تُعطي المكتبة الوطنية السورية أولوية لاقتناء الإصدارات الجديدة من دور النشر السورية والعربية والعالمية. كما تحرص على الحصول على نسخة من كل كتاب يُطبع في سوريا وفقاً لقانون الإيداع القانوني (Legal Deposit)، مما يضمن توثيق الإنتاج الفكري الوطني بشكل كامل. هذا النظام جعل المكتبة الوطنية السورية أرشيفاً حياً للثقافة السورية المعاصرة، حيث يمكن للباحثين تتبع تطور الفكر والأدب والعلوم في سوريا عبر العقود الماضية.
المخطوطات النادرة
تُعَدُّ مجموعة المخطوطات من أثمن كنوز المكتبة الوطنية السورية، حيث تضم آلاف المخطوطات العربية والإسلامية النادرة. تعود بعض مخطوطات المكتبة الوطنية السورية إلى قرون بعيدة، وتشمل نسخاً فريدة من كتب التفسير والحديث والفقه والأدب والتاريخ والطب والفلك. تحظى هذه المخطوطات برعاية خاصة من خلال مشاريع الترميم والحفظ الرقمي، مما يضمن بقاءها للأجيال القادمة.
تعمل المكتبة الوطنية السورية على فهرسة المخطوطات وفق معايير دولية، مما يسهل على الباحثين الوصول إليها واستخدامها في دراساتهم. كثير من المخطوطات الموجودة في المكتبة الوطنية السورية لم تُحقق بعد، مما يفتح آفاقاً واسعة للبحث العلمي. تتعاون المكتبة مع جامعات ومراكز بحثية محلية ودولية في مشاريع تحقيق ونشر هذه المخطوطات، مما يسهم في إثراء المكتبة العربية والإسلامية بكنوز معرفية كانت مخبوءة.
الدوريات والصحف
تمتلك المكتبة الوطنية السورية أرشيفاً غنياً من الدوريات والصحف السورية والعربية والعالمية. يمتد هذا الأرشيف لعشرات السنين، مما يتيح للباحثين دراسة الأحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية كما وثقتها وسائل الإعلام المعاصرة. تشمل المجموعة صحفاً سورية صدرت منذ القرن التاسع عشر، وهي مصادر لا تُقدر بثمن لفهم تطور المجتمع السوري.
حرصت المكتبة الوطنية السورية على الحفاظ على هذه المواد من خلال مشاريع الترميم والرقمنة. أصبح بالإمكان الآن الاطلاع على أعداد قديمة من الصحف السورية بصيغة رقمية، مما يحمي النسخ الأصلية من التلف ويسهل الوصول إليها. تُعَدُّ هذه المجموعة من الدوريات موردا رئيساً للباحثين في تاريخ الصحافة العربية وتطور الخطاب الإعلامي في المنطقة.
الخدمات المكتبية المقدمة
خدمات القراءة والإعارة
تقدم المكتبة الوطنية السورية خدمات متنوعة لروادها من مختلف الفئات العمرية والمستويات الثقافية. توفر قاعات مطالعة مريحة ومجهزة بكل ما يحتاجه القارئ من إضاءة جيدة ومقاعد مريحة وهدوء تام. تتيح المكتبة الوطنية السورية للمشتركين استعارة الكتب وفق نظام منظم يراعي حقوق جميع المستفيدين، مع قواعد واضحة لمدد الاستعارة وإعادة الكتب.
تخصص المكتبة الوطنية السورية قاعات خاصة للباحثين وطلاب الدراسات العليا، حيث يمكنهم العمل على أبحاثهم في بيئة هادئة ومحفزة. كما توفر خدمة المساعدة البحثية من خلال أمناء مكتبات متخصصين يساعدون الزوار في العثور على المراجع المطلوبة واستخدام الفهارس بكفاءة. هذه الخدمات جعلت المكتبة الوطنية السورية وجهة مفضلة للطلاب والباحثين من داخل سوريا وخارجها.
الخدمات الرقمية
مع التطور التكنولوجي، عملت المكتبة الوطنية السورية على تطوير خدماتها الإلكترونية لتواكب العصر الرقمي. أطلقت المكتبة الوطنية السورية فهرساً إلكترونياً (Online Catalog) يتيح للمستفيدين البحث في مقتنياتها من أي مكان عبر الإنترنت. يمكن للباحثين معرفة مدى توفر كتاب معين، والاطلاع على معلومات ببليوغرافية كاملة عنه، وحجزه للمطالعة أو الاستعارة.
طورت المكتبة الوطنية السورية أيضاً مكتبة رقمية تضم نسخاً إلكترونية من آلاف الكتب والمخطوطات والدوريات. يتيح هذا المشروع الطموح الوصول إلى التراث السوري من أي مكان في العالم، مما يسهم في نشر المعرفة وتسهيل البحث العلمي. تستمر جهود الرقمنة في المكتبة الوطنية السورية، مع إعطاء الأولوية للمواد النادرة والأكثر طلباً من قبل الباحثين.
الدور الثقافي والتعليمي
تتجاوز المكتبة الوطنية السورية دورها التقليدي كمستودع للكتب، لتصبح مركزاً ثقافياً وتعليمياً نشطاً. تنظم المكتبة الوطنية السورية محاضرات وندوات وورش عمل حول موضوعات ثقافية وأدبية وتاريخية متنوعة. تستضيف كبار الكتّاب والمفكرين والأكاديميين للحديث عن إنتاجهم الفكري، مما يوفر فرصة للجمهور للتواصل المباشر معهم.
كما تنظم المكتبة الوطنية السورية معارض للكتب والمخطوطات النادرة، تعرض فيها جواهرها الثقافية للجمهور الواسع. تُعَدُّ هذه المعارض فرصة لتعريف المواطنين بتراثهم وحثهم على الاعتزاز به والحفاظ عليه. تولي المكتبة الوطنية السورية اهتماماً خاصاً بالأطفال واليافعين، من خلال برامج قراءة موجهة وأنشطة ثقافية تنمي لديهم حب المطالعة والاستكشاف المعرفي منذ سن مبكرة.
البرامج والأنشطة
برامج البحث العلمي
تدعم المكتبة الوطنية السورية البحث العلمي من خلال تسهيل وصول الباحثين إلى مصادر المعلومات النادرة. توفر منحاً بحثية وتسهيلات خاصة للباحثين الذين يعملون على موضوعات تتعلق بالتراث السوري. تتعاون المكتبة الوطنية السورية مع الجامعات السورية في الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه التي تعتمد على مصادرها الفريدة.
أنشأت المكتبة الوطنية السورية مركزاً للدراسات والبحوث يعمل على تحقيق المخطوطات ونشرها، ودراسة تاريخ الكتاب السوري. يضم المركز باحثين متخصصين ينتجون دراسات معمقة حول مقتنيات المكتبة الوطنية السورية وأهميتها الحضارية. تنشر هذه الدراسات في مجلات علمية محكمة، مما يسهم في إثراء المعرفة الإنسانية بشكل عام.
برامج محو الأمية وتشجيع القراءة
انطلاقاً من رسالتها الاجتماعية، تشارك المكتبة الوطنية السورية في برامج محو الأمية والتثقيف المجتمعي. تنظم دورات تعليمية للفئات الأقل حظاً، وتوفر موادّ قرائية مبسطة تناسب المستويات التعليمية المختلفة. تُعَدُّ هذه البرامج جزءاً من الدور الوطني الذي تلعبه المكتبة الوطنية السورية في بناء مجتمع قارئ ومثقف.
كما تطلق المكتبة الوطنية السورية حملات وطنية لتشجيع القراءة، مثل مسابقات أفضل قارئ، وبرامج القراءة الصيفية للطلاب. تتعاون في ذلك مع وزارة التربية والتعليم لتنظيم زيارات مدرسية منتظمة، حيث يتعرف التلاميذ على كنوز المكتبة الوطنية السورية ويُحثون على اتخاذ القراءة عادة يومية. هذه الجهود تهدف إلى تربية جيل جديد يقدر قيمة الكتاب والمعرفة.
التحديات والحفاظ على المقتنيات
واجهت المكتبة الوطنية السورية تحديات كبيرة على مر السنين، خاصة في مجال الحفاظ على المقتنيات القديمة. تتطلب المخطوطات والكتب النادرة عناية فائقة لحمايتها من عوامل التلف مثل الرطوبة والحرارة والحشرات. أنشأت المكتبة الوطنية السورية مختبرات متخصصة للترميم والصيانة، يعمل فيها فنيون مدربون على أحدث تقنيات حفظ الوثائق.
تستثمر المكتبة الوطنية السورية في تدريب موظفيها على أساليب الحفظ الوقائي والترميم الاحترافي. تتبع معايير دولية في التعامل مع المواد النادرة، من استخدام قفازات خاصة عند تصفح المخطوطات إلى تخزينها في صناديق خالية من الأحماض. هذه الجهود المستمرة تضمن بقاء كنوز المكتبة الوطنية السورية محفوظة للأجيال القادمة.
التعاون الدولي والشراكات
تدرك المكتبة الوطنية السورية أهمية التعاون الدولي في تطوير خدماتها وتبادل الخبرات. أقامت شراكات مع مكتبات وطنية عربية وعالمية، تتضمن تبادل المطبوعات والخبرات التقنية. شاركت المكتبة الوطنية السورية في مؤتمرات دولية لأمناء المكتبات، حيث عرضت تجربتها وتعلمت من تجارب الآخرين.
تتعاون المكتبة الوطنية السورية مع منظمات دولية مثل اليونسكو (UNESCO) في مشاريع حفظ التراث الثقافي المكتوب. استفادت من برامج تدريبية دولية في مجالات الرقمنة والفهرسة الإلكترونية وإدارة المكتبات الحديثة. هذا الانفتاح على التجارب العالمية ساعد المكتبة الوطنية السورية على تحسين خدماتها ورفع كفاءة كوادرها البشرية.
البنية التحتية التقنية
استثمرت المكتبة الوطنية السورية بشكل كبير في البنية التحتية التقنية لمواكبة متطلبات العصر الرقمي. أدخلت أنظمة إدارة مكتبات آلية متقدمة (Integrated Library Systems) تتيح إدارة جميع العمليات من الفهرسة إلى الإعارة إلكترونياً. وفرت المكتبة الوطنية السورية أجهزة حاسوب للزوار للبحث في الفهارس الإلكترونية واستخدام قواعد البيانات الرقمية.
كما جهزت المكتبة الوطنية السورية مختبرات رقمنة مجهزة بماسحات ضوئية احترافية عالية الدقة. تسمح هذه الأجهزة بتحويل المخطوطات والكتب النادرة إلى نسخ رقمية بجودة عالية دون الإضرار بالأصول. أنشأت خوادم (Servers) قوية لتخزين هذه البيانات الضخمة وإتاحتها للمستفيدين عبر الشبكة المحلية والإنترنت. هذه البنية التقنية جعلت المكتبة الوطنية السورية نموذجاً متقدماً في المنطقة.
الكوادر البشرية المتخصصة
يُعَدُّ العنصر البشري الركيزة الأساسية لنجاح المكتبة الوطنية السورية في أداء رسالتها. توظف المكتبة كوادر متخصصة في علم المكتبات والمعلومات، حاصلين على مؤهلات أكاديمية عالية من جامعات محلية وعالمية. يخضع موظفو المكتبة الوطنية السورية لبرامج تدريب مستمرة لتطوير مهاراتهم ومواكبة التطورات في مجال المكتبات والمعلومات.
تضم المكتبة الوطنية السورية أيضاً مرممين وفنيي حفظ متخصصين في التعامل مع المواد النادرة والهشة. يعمل هؤلاء بدقة واحترافية عالية للحفاظ على سلامة المقتنيات. كما توظف المكتبة الوطنية السورية باحثين متخصصين في مجالات مختلفة لمساعدة الزوار وتقديم استشارات بحثية دقيقة. هذا التنوع في الكفاءات يجعل المكتبة قادرة على تلبية احتياجات مختلف فئات المستفيدين بكفاءة عالية.
أهمية المكتبة للباحثين والدارسين
تشكل المكتبة الوطنية السورية كنزاً لا يُقدر بثمن للباحثين في مختلف التخصصات. يجد الباحثون في التاريخ السوري والعربي في مقتنيات المكتبة الوطنية السورية مصادر أولية نادرة لا توجد في أماكن أخرى. تتيح المخطوطات والوثائق التاريخية دراسة الأحداث من مصادرها الأصلية، مما يمنح البحث مصداقية وعمقاً أكبر.
بالنسبة للباحثين في الأدب واللغة العربية، توفر المكتبة الوطنية السورية نسخاً نادرة من الدواوين الشعرية والأعمال النثرية الكلاسيكية. يستطيع الباحثون مقارنة النسخ المختلفة من العمل الأدبي الواحد، مما يساعد في التحقيق النقدي والدراسة الفيلولوجية (Philological Study). كذلك يستفيد الباحثون في العلوم الإسلامية من المخطوطات الفقهية والتفسيرية والحديثية الموجودة في المكتبة الوطنية السورية، والتي تمثل إرثاً علمياً ضخماً.
الأقسام المتخصصة داخل المكتبة
تنقسم المكتبة الوطنية السورية إلى عدة أقسام متخصصة تخدم كل منها فئة معينة من المستفيدين:
- قسم المخطوطات: يحتوي على المخطوطات النادرة والنفيسة، ويقدم خدمات متخصصة للباحثين في التراث الإسلامي والعربي.
- قسم الكتب العربية: يضم الكتب المطبوعة باللغة العربية في مختلف المجالات، وهو الأكثر ارتياداً من قبل القراء العاديين.
- قسم الكتب الأجنبية: يحتوي على مراجع بلغات مختلفة، خاصة الإنجليزية والفرنسية، ويخدم الباحثين في العلوم الحديثة.
- قسم الدوريات: يوفر الوصول إلى المجلات العلمية والثقافية والصحف المحلية والعربية.
- قسم الوثائق والأرشيف: يحفظ وثائق تاريخية تتعلق بالدولة السورية والمجتمع.
- قسم الخرائط: يضم خرائط تاريخية وجغرافية نادرة تخدم الباحثين في الجغرافيا والتاريخ.
- قسم المواد السمعية والبصرية: يحتوي على تسجيلات صوتية ومرئية وأفلام وثائقية ذات قيمة ثقافية وتاريخية.
تعمل هذه الأقسام بتنسيق تام لتقديم خدمة متكاملة للمستفيدين، حيث يمكن للباحث الوصول إلى مختلف أنواع المصادر من خلال نقطة دخول واحدة. تطبق المكتبة الوطنية السورية نظام فهرسة موحداً عبر جميع الأقسام، مما يسهل عملية البحث والاسترجاع.
دور المكتبة في الحفاظ على الهوية الوطنية
تلعب المكتبة الوطنية السورية دوراً محورياً في الحفاظ على الهوية الثقافية السورية وتعزيز الانتماء الوطني. من خلال جمع وحفظ الإنتاج الفكري السوري عبر العصور، تصبح المكتبة الوطنية السورية ذاكرة الأمة المكتوبة. يستطيع السوريون من خلالها التعرف على إنجازات أجدادهم في مختلف الميادين، مما يعزز الفخر الوطني والثقة بالذات الحضارية.
تحرص المكتبة الوطنية السورية على إبراز التنوع الثقافي السوري من خلال اقتناء مطبوعات بمختلف اللهجات واللغات المحلية. تهتم بحفظ التراث الشفوي من خلال تسجيل الحكايات الشعبية والأغاني التراثية. كما تستضيف معارض تعرّف بالثقافات المتنوعة التي تشكل النسيج الاجتماعي السوري. بذلك، تسهم المكتبة الوطنية السورية في بناء هوية وطنية جامعة تحترم التنوع وتحتفي بالوحدة.
التحول الرقمي ومستقبل المكتبة
تدرك المكتبة الوطنية السورية أن المستقبل يتجه نحو الرقمنة والمكتبات الإلكترونية. لذلك، بدأت في تنفيذ خطة طموحة للتحول الرقمي تشمل رقمنة مقتنياتها وإتاحتها عبر الإنترنت. يهدف هذا المشروع إلى جعل كنوز المكتبة الوطنية السورية متاحة لملايين المستفيدين حول العالم، دون الحاجة للحضور الفعلي.
لا يعني التحول الرقمي إلغاء الدور التقليدي للمكتبة، بل تعزيزه وتوسيعه. تخطط المكتبة الوطنية السورية لتطوير تطبيقات ذكية ومنصات تفاعلية تجعل التعامل مع المحتوى الثقافي أكثر جاذبية للأجيال الشابة. كما تعمل على بناء شراكات مع مؤسسات تقنية لتطوير حلول مبتكرة في مجال إدارة المعرفة والذكاء الاصطناعي. تسعى المكتبة الوطنية السورية لتكون رائدة إقليمياً في مجال المكتبات الهجينة (Hybrid Libraries) التي تجمع بين التقليدي والرقمي.
المكتبة كمركز للتبادل الثقافي
تُعَدُّ المكتبة الوطنية السورية جسراً للتواصل الثقافي بين سوريا والعالم. تستقبل وفوداً ثقافية من دول عربية وأجنبية، وتنظم معارض مشتركة مع مكتبات عالمية. تشارك في معارض الكتاب الدولية حيث تعرض نفائسها وتعرّف بدورها الحضاري. هذا الانفتاح يعزز الحوار بين الثقافات ويسهم في تصحيح الصور النمطية عن المنطقة.
استضافت المكتبة الوطنية السورية عشرات الباحثين الأجانب المهتمين بالتراث العربي والإسلامي. قدمت لهم كل التسهيلات للوصول إلى المخطوطات والوثائق، مما أسفر عن إنتاج دراسات مهمة نُشرت في مجلات علمية عالمية. هذا التعاون يضع المكتبة الوطنية السورية على الخريطة الأكاديمية العالمية، ويؤكد مكانتها كمؤسسة ثقافية رفيعة المستوى.
الأنشطة الموسمية والفعاليات
تحتفل المكتبة الوطنية السورية بالمناسبات الثقافية الوطنية والعالمية من خلال تنظيم فعاليات خاصة:
- أسبوع الكتاب العربي: تنظم معارض وندوات احتفالاً بالإنتاج الفكري العربي.
- يوم المكتبة الوطنية: احتفال سنوي يتضمن أبواباً مفتوحة وجولات إرشادية وأنشطة ثقافية متنوعة.
- مهرجانات القراءة للأطفال: أنشطة ترفيهية تعليمية تشجع الصغار على حب الكتاب.
- أمسيات شعرية وأدبية: تستضيف شعراء وأدباء سوريين وعرباً لإلقاء إبداعاتهم.
- محاضرات في التاريخ والتراث: يقدمها أساتذة جامعيون ومتخصصون.
هذه الفعاليات تحوّل المكتبة الوطنية السورية من مجرد مستودع للكتب إلى فضاء ثقافي حي ونابض، يجذب مختلف الفئات العمرية والثقافية. تسهم في خلق مجتمع قارئ ومثقف يقدر قيمة المعرفة ويسعى إلى اكتسابها باستمرار.
التمويل والاستدامة المالية
تعتمد المكتبة الوطنية السورية في تمويلها الرئيس على الميزانية الحكومية المخصصة لها من وزارة الثقافة. تُخصص هذه الميزانية لتغطية النفقات التشغيلية من رواتب الموظفين وشراء الكتب الجديدة وصيانة المباني والتجهيزات. كما تسعى المكتبة الوطنية السورية للحصول على تمويل إضافي من خلال المنح الدولية والتعاون مع المنظمات الثقافية.
أطلقت المكتبة الوطنية السورية برامج لتعزيز الاستدامة المالية، مثل بيع نسخ من المخطوطات المرقمنة، وتحصيل رسوم رمزية على بعض الخدمات المتميزة، واستقبال التبرعات من الأفراد والمؤسسات. تُستخدم هذه الموارد الإضافية في تمويل مشاريع خاصة مثل الرقمنة والترميم. تؤمن إدارة المكتبة الوطنية السورية بأهمية التنوع في مصادر التمويل لضمان الاستقرار والقدرة على تقديم خدمات بجودة عالية.
الخاتمة
تقف المكتبة الوطنية السورية شامخة كمنارة للمعرفة والثقافة في قلب العاصمة دمشق، تحمل على عاتقها مسؤولية جسيمة في حفظ التراث الوطني وإتاحته للأجيال الحاضرة والقادمة. على مدى عقود، نجحت المكتبة الوطنية السورية في تجميع كنوز معرفية لا تُقدر بثمن، وفي تقديم خدمات متنوعة للباحثين والقراء من مختلف الفئات. رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها، بقيت المكتبة الوطنية السورية صامدة ومستمرة في رسالتها النبيلة.
ينظر إلى المكتبة الوطنية السورية اليوم باعتبارها مؤسسة ثقافية محورية لا غنى عنها في المشهد الثقافي السوري. تجمع بين الأصالة والحداثة، بين حفظ التراث ومواكبة التطورات التقنية. مع استمرار جهود الرقمنة والتطوير، تتطلع المكتبة الوطنية السورية لمستقبل واعد تكون فيه المعرفة متاحة للجميع دون عوائق. إن الاستثمار في المكتبة الوطنية السورية هو استثمار في المستقبل الثقافي والحضاري لسوريا، وفي بناء أجيال متعلمة واعية قادرة على المساهمة في النهضة الوطنية الشاملة.



