الحرف اليدوية في سوريا: تراث فني عريق

تعتبر الحرف اليدوية جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي السوري، وتشكل انعكاساً للهوية الثقافية والفنية للبلاد. تمتد جذور هذه الفنون إلى قرون مضت، حيث ارتبطت الحرف اليدوية بتاريخ سوريا العريق وحضاراتها المتنوعة. تمتاز اليدو يات الحرفية في سوريا بالتنوع، حيث تشمل مجالات متعددة مثل الزجاج المعشق، والموزاييك الخشبي، والبسط الشرقية، والنقش على الخشب. تتطلب هذه الفنون مهارات عالية ودقة في العمل، مما يعكس الإبداع والتميز السوري في هذا المجال.
الحرف اليدوية السورية ليست مجرد منتجات فنية، بل تمثل أيضاً رموزاً ثقافية ومعالم تاريخية. تاريخياً، كانت المدن السورية مثل دمشق وحلب معروفة كمراكز للحرف اليدوية، حيث يتم تبادل الحرف والممارسات الفنية بين الحرفيين. شهدت هذه الفنون تطوراً كبيراً على مر العصور، وتبنت عدة تقنيات وأساليب، مما جعلها تتناسب مع الأذواق والمتطلبات المتغيرة عبر الزمن.
الأهمية الاقتصادية للحرف اليدوية في سوريا لا يمكن تجاهلها؛ حيث تستفيد المجتمعات المحلية من هذه الحرف من خلال توفير فرص العمل وزيادة الدخل. بالإضافة إلى ذلك، تسهم الحرف اليدوية في جذب السياح، مما يعزز الاقتصاد الوطني. من خلال الحفاظ على هذه الفنون التقليدية، تساهم الأجيال الجديدة في نقل المعرفة والمهارات إلى المستقبل، مما يضمن استمرارية هذا التراث الغني. تعتبر الحرف اليدوية إذن جسرًا يربط الماضي بالحاضر، وتلعب دوراً هاماً في تأصيل الفخر الثقافي وتجسيد الهوية السورية.
فن صناعة الآغباني
تعود نشأة فن صناعة الآغباني في دمشق إلى أكثر من 150 عامًا، حيث يعتبر هذا الفن جزءًا من التراث الثقافي السوري. تعتمد هذه الصناعة التقليدية على مهارات حرفية دقيقة واهتمام خاص بالتفاصيل، مما يجعل الآغباني واحدًا من أرقى أنواع الأقمشة في المنطقة. يتم تصنيع الآغباني باستخدام الحرير الطبيعي في بدايات هذه الصناعة، وهو ما أضفى عليه لمسة من التميز والفخامة. ومع مرور الزمن، أصبح استخدام القطن عالي الجودة هو الشائع في هذه الصناعة، مما ساهم في توسيع انتشار الآغباني وزيادة طلب المستهلكين عليه.
تبدأ عملية تصنيع الآغباني بتجهيز المواد الأساسية حيث يتم اختيار الألياف بعناية لضمان الحصول على منتج نهائي عالي الجودة. يستخدم الحرفيون تقنيات نسج معقدة تبرز جمال الألوان والنقوش التقليدية التي تنفرد بها هذه الأقمشة. يُعتبر الآغباني رمزاً للثقافة السورية، حيث يتضمن في تصميماته عناصر تراثية تمثل الهوية المحلية. تتنوع تقنيات النسج المستخدمة، مما يتيح للمصممين إبداع أشكال جديدة تجمع بين الأصالة والتجديد.
إلى جانب جماله البصري، يحمل الآغباني دلالات ثقافية عميقة تعكس تاريخ دمشق العريق. يُستخدم هذا القماش في صناعة الملابس التقليدية والمفروشات، مما يساهم في الحفاظ على التراث وتوثيقه للأجيال القادمة. إن استمرارية هذه الحرفة تعكس قدرة الثقافة السورية على التكيف مع متغيرات الزمن، مع الحفاظ على روحها الأصلية.
البروكار الدمشقي
البروكار الدمشقي هو أحد أبرز أنواع الأقمشة الفاخرة التي تشتهر بها سوريا، ويمثل جزءاً مهماً من تراثها الثقافي والفني. يتميز هذا النسيج الفاخر بخيوطه المصنوعة من الحرير، مما يجعله رمزاً للأناقة والترف. يُستخدم البروكار عادة في صناعة الملابس الفاخرة، مثل العباءات والطرز الفخمة، بالإضافة إلى تزيين الديكورات الداخلية للمنازل. كان له دور بارز في تعزيز الهوية الثقافية لسوريا، حيث ارتبط بمناسبات مميزة مثل الأعراس والاحتفالات.
على مر العصور، شهد البروكار الدمشقي تطورًا في أنماطه وألوانه، مما جعله يتكيف مع التغيرات الثقافية والموضة. يمتاز هذا النسيج بتفاصيله الدقيقة وزخرفته المتقنة التي تعكس طابعًا فنيًا فريدًا، حيث يمكن أن يتنوع من النقوش النباتية إلى التصاميم الهندسية. يتم إنتاج البروكار من خلال تقنيات تصنيع تقليدية تتطلب مهارة عالية، حيث يقوم الحرفيون بتجميع الخيوط وتصميمها بطرق تقدم تعبيراً عن مهاراتهم وإبداعهم.
تعتبر أهمية البروكار الدمشقي تتجاوز الجانب الجمالي، حيث يحمل رموزًا ثقافية ودلالات تاريخية. فهو ليس مجرد نسيج يُستخدم في الملابس أو الديكورات، بل هو تجسيد للتراث السوري ومهارة الحرفيين الذين استمروا في تمرير هذه الحرفة عبر الأجيال. تدعو أهمية البروكار إلى الحفاظ على هذا التراث الفني ومنح الحرفيين المكانة التي يستحقونها، لضمان استمرارية هذا الفن الذي يربط الماضي بالحاضر.
تاريخ الفخار والخزف في سوريا
تاريخ الفخار والخزف في سوريا يمتد إلى العصور القديمة، حيث تُشير الأبحاث الأثرية إلى وجود صناعة الفخار في شمال سوريا منذ القرن الخامس قبل الميلاد. وعتبرت هذه الصناعة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية والثقافة التي شكلت سكان المنطقة. كانت الأساليب اليدوية في صناعة الفخار تستخدم طينين محليين لإنتاج أواني ومزهريات وأدوات مختلفة يتم استخدامها في الحياة اليومية.
خلال العصر الفاطمي، شهدت صناعة الفخار والخزف في سوريا تطوراً ملحوظاً، حيث أُدخلت تقنيات جديدة مثل التزجيج والتلوين. كانت هذه الفترة بمثابة نقطة انطلاق للزخرفة المعقدة والتصاميم الفنية المميزة، التي تميزت بها الفخار الدمشقي على وجه الخصوص. قدم الفنانين السوريين في تلك الفترة مجموعة واسعة من الأشكال والألوان، مما جعل الفخار الدمشقي معروفًا بجودته وحسن تصميمه. من خلال الجمع بين الأسلوب الفني الفريد والتاريخ الغني، أصبح الفخار الدمشقي رمزًا للتراث الثقافي في سوريا.
لم تتوقف التطورات عند العصر الفاطمي، بل استمرت حتى العصر المملوكي والعثماني حيث أضيفت عناصر جديدة إلى الفخار والخزف، مما يعكس التنوع الثقافي والتاريخي في المنطقة. وكان للفخار السوري تأثير كبير على الفخار في العديد من البلدان المجاورة، مما يدل على أهمية هذه الحرفة في تشكيل الهوية الثقافية للشعوب. بمرور الوقت، أصبحت صناعة الفخار والخزف مترسخة في الثقافة السورية، مع الحفاظ على الأساليب التقليدية والابتكار في نفس الوقت. يمثل الفخار والخزف جزءًا من التراث الفني العريق الذي يتطلب الاستمرار في توثيقه وحمايته للأجيال القادمة.
التطعيم بالصدف في دمشق
يعتبر فن التطعيم بالصدف أحد أبرز الحرف اليدوية في دمشق، حيث يُظهر مهارة الحرفيين وقدرتهم على تحويل المواد الطبيعية إلى أعمال فنية راقية. يعود تاريخ هذا الفن إلى العصور القديمة، حيث كانت تستخدم الصدف بشكل أساسي في تزيين الأثاث التقليدي وقطع الديكور. لطالما ارتبط التطعيم بالصدف بالثقافة السورية، ويعكس تراثًا ثقافيًا غنيًا يساهم في إبراز الهوية الوطنية.
تجسيدًا للمهارات الحرفية، يتم تطعيم الخشب بالصدف باستخدام تقنيات تضفي جمالاً ومعنى على المنتجات النهائية. يُستخدم الصدف في تصميم أنماط معقدة تنقل الحكايات والتراث السوري، وتتحقق هذه الأنماط عبر تقنيات دقيقة تتطلب دقة واحترافية. منذ قرون، أصبح هذا الفن وسيلة تعبير عن واقع الحياة اليومية وفن التصنيع المحلي، وازدهر تدريجيًا ليصبح عنصرًا محوريًا في الفنون والحرف التقليدية في دمشق.
تأثرت صناعة التطعيم بالصدف بعوامل طبيعية عدة، من أبرزها توفر المحار والصدف في البيئة البحرية القريبة. يُعتبر الاستغلال المستدام لهذه الموارد أحد المفاتيح لاستمرار هذا الفن، حيث يُفضل الحرفيون استخدام مصادر محلية لضمان جودة العمل واستدامته. بالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة المواد المستخدمة تساهم في منحٍ كل قطعة جمالاً فريداً، حيث يتفاوت لون وتركيب الصدف من قطعة لأخرى، مما يجعل كل منتج يحمل هوية فنية خاصة به.
بفضل المهارة والحرفية المتبعة، يستمر فن التطعيم بالصدف في دمشق في إلهام الأجيال الجديدة، مستمراً بدوره كجزء أساسي من التراث الفني السوري، ومؤكداً على أهمية الحفاظ على هذا التقليد الغني.
الفن العجمي
إن الفن العجمي في سوريا يُعتبر من عناصر التراث الثقافي الغني الذي يمتد لقرون طويلة، حيث يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ الفني والديني للمناطق المختلفة. بدأ هذا الفن بالظهور منذ بداية عصر الإمبراطورية الأموية، التي قامت بدور محوري في تطوير الفنون الجميلة والعمارة في العالم الإسلامي. لقد تم استخدام الفن العجمي لتزيين المساجد والقصور، مما ساهم في إثراء جمال هذه المعالم التاريخية.
ما يميز الفن العجمي هو استخدام المواد الطبيعية مثل الطين، والخشب، والزجاج، إلى جانب تقنيات معقدة مثل المزج بين الألوان والنقوش لخلق تأثيرات بصرية رائعة. معظم الزخارف التي تزين المساجد والقصور تشمل الأشكال الهندسية والنباتية، والتي تعكس عمق الفلسفة الإسلامية في تجسيد الجمال. كما تحتوي هذه الزخارف على الكتابات والزخارف الشرقية التي تحمل رسائل روحية وثقافية، مما يجعل من كل عمل فني تجسيداً ثقافياً فريداً.
في سياق آخر، تمثل الأشكال الفنية والتقنيات المستخدمة في الفن العجمي أداة لتوثيق وتناول الهوية الثقافية، حيث تظهر التنوع والابتكار. عبر الأجيال، استمر هذا الفن في التأقلم مع المتغيرات الزمنية والثقافية، ولكنّه حافظ في الوقت ذاته على جذوره وانتماءه. برزت أهمية هذا الفن ليس فقط كأداة للتزيين، بل كوسيلة للتعبير عن الأفكار والإبداع، مما يعكس غنى الحضارة السورية وعمقها الثقافي.
في النهاية، فإن الفن العجمي يمثل قيمة ثقافية هامة تسلط الضوء على التراث السوري، وتدعو إلى الحفاظ عليه وتداوله بين الأجيال، لضمان استدامته كجزء من الهوية الوطنية.
النقش على النحاس
يُعتبر النقش على النحاس واحدة من أعرق الحرف اليدوية في سوريا، حيث يعود أصل هذه الحرفة إلى مدينة دمشق، التي اشتهرت بإنتاج أجود أنواع الأوعية النحاسية. قام الحرفيون الدمشقيون اليهود بتطوير تقنيات النقش على النحاس، مما ساهم في تميز هذه الصناعة في المنطقة. تتطلب هذه الحرفة مستوى عالٍ من الدقة والصبر، حيث يتم رسم التصاميم بدقة فائقة باستخدام أدوات حادة ومحددة. يتمثل الهدف الرئيسي في تحويل النحاس الخام إلى قطع فنية تعبر عن جمال التراث الثقافي السوري.
تشمل مراحل تطور حرفة النقش على النحاس عدة خطوات، بدءاً من التصنيع الأولي للأوعية النحاسية وصولاً إلى النقش الفني النهائي. في البداية، يتم تشكيل النحاس بالحجم المطلوب ثم يُستخدم النقاش لإضافة التفاصيل، مثل الزخارف الإسلاميّة المعقدة والأنماط الهندسية. يتطلب الأمر إتقان الأدوات مثل الإزميل والمطرقة والمعاول، والتي تُعتبر العدّة الأساسية في الحرفة، حيث تلعب كل أداة دوراً مهماً في إضفاء اللمسات الفنية على النحاس.
تمكن الفنانين المهرة في هذا المجال من إبداع قطع فنية تتجاوز كونها أدوات منزلية بسيطة. فقد تطور النقش على النحاس ليصبح فناً يعكس تقاليد الثقافة السورية وغنى تراثها، ويظل أحد الرموز البارزة في الحرف اليدوية. يعتبر كل قطعة من الأعمال الفنية المنقوشة على النحاس شهادة حقيقية على المهارة والإبداع، مما يعزز فهمنا لثقافة الحرف اليدوية في سوريا ويضمن استمرار هذه الحرفة عبر الأجيال.
النفخ بالزجاج
تعتبر حرفة النفخ بالزجاج واحدة من أبرز الفنون اليدوية التقليدية في سورية، حيث تمتاز بجماليتها وتعقيدها الفني. تعود أصول هذه الحرفة إلى الفترات الفينيقية، عندما بدأ الفنانين في تشكيل الزجاج بواسطة تقنية النفخ. فالزجاج، الذي يتحول من مادة صلبة إلى سائل ومن ثم يعود إلى حالته الصلبة عند تبريده، يتطلب مهارات تقنية عالية وقدرة على التحكم في درجات الحرارة.
تبدأ عملية النفخ بالزجاج بتسخين الكتل الزجاجية في فرن خاص، حيث تصل درجة الحرارة إلى ما يزيد عن 1000 درجة مئوية. بعد ذلك، يستخدم الحرفي أنبوب نفخ لإدخال الهواء في الكتلة الزجاجية، والتي تبدأ في الانتفاخ وتكوين الشكل المطلوب. يجب على الفنان أن يتمتع بقدرة عالية على الرؤية الفنية والتقنية، حيث يتطلب الأمر تعديل الزجاج المنفوخ باستمرار خلال العملية للحصول على الشكل النهائي.
تعددت المنتجات الزجاجية التي تجسد هذه الحرفة المدهشة، بدءًا من الأواني المنزلية، مثل الأكواب والفازات، وصولًا إلى القطع الفنية المعقدة، مثل التماثيل والزخارف. تتميز المنتجات الزجاجية السورية بجودتها العالية وألوانها الزاهية، ما ساهم في تعزيز شهرتها على الصعيد المحلي والدولي. بالرغم من التحديات التي واجهتها هذه الحرفة بسبب التغيرات الاقتصادية والسياسية، إلا أن فناني النفخ بالزجاج تمكنوا من الحفاظ على تقنياتهم التقليدية وجذب الأجيال الجديدة للعمل في هذا المجال.
إن حرفة النفخ بالزجاج تمثل رصيدًا ثقافيًا هامًا، حيث تعكس تطور الفنون التقليدية في سوريا. تتيح هذه الحرفة للممارسين الفرصة للإبداع والابتكار، مما يعزز أهمية الحفاظ على هذا التراث الفني للأجيال القادمة.
كراسي القش والخشب
تُعتبر كراسي القش والخشب من أبرز الحرف اليدوية التقليدية في سوريا، وخاصة في المناطق الدمشقية. لطالما كانت هذه الكراسي تجسيدًا للإبداع والحرفية السورية، إذ يتم تصنيعها يدويًا باستخدام مواد بسيطة ومتاحة. كان لهذه الحرفة دورٌ بارز في تجميل المنازل التقليدية وإضفاء لمسة جمالية وفريدة. ومع مرور الزمن، تأثرت هذه الحرفة بالعديد من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ما أدى إلى تراجع استخدامها ونمو البدائل الحديثة.
دخلت الكراسي البلاستيكية والمعدنية الرخيصة إلى السوق، مما أثر سلبًا على الطلب على الكراسي اليدوية. يجد الحرفيون أنفسهم في مواجهة تحديات كبيرة نتيجة انخفاض عدد الطلبات، حيث باتت الورشات التي كانت مشغولة بصناعة الكراسي اليدوية تواجه خطر الإغلاق، مما يهدد التراث الحرفي السوري بالتلاشي. هذا الانخفاض في الإنتاج اليدوي لم يؤثر فقط على الحرفيين، بل ألقى بظلاله أيضًا على الثقافة المحلية والتراث المتعلق بالنمط الحياتي التقليدي.
من المهم الآن التفكير في كيفية الحفاظ على هذه الحرفة، سواء من خلال تقديم الدعم المالي للحرفيين أو عن طريق تنظيم ورش عمل تعليمية تستهدف الشباب. إن إعادة إحياء هذا التراث تتطلب توعية المجتمع بأهمية كراسي القش والخشب والترويج لاستخداماتها في الحياة اليومية، حيث يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للسوريين. يعتبر الاستثمار في الحرف اليدوية التقليدية ضرورة لضمان استمراريتها في مواجهة التحديات الحديثة، وبالتالي الحفاظ على الفنون التقليدية التي تعكس تاريخ وثقافة الشعب السوري.
فن الزجاج المعشق
يعتبر فن الزجاج المعشق من الفنون التقليدية الرائدة في سوريا، إذ تعود جذوره إلى الفترة الفينيقية التي شهدت ارتفاعًا في استخدام الزجاج لتزيين المباني. على مر العصور، تطور هذا الفن بشكل ملحوظ، مما جعله جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي والمعماري السوري. في البداية، كان يُستخدم الزجاج المعشق في تزيين المساكن الفاخرة، ولكن مع مرور الوقت انتشر استخدامه ليشمل الكنائس والمساجد في دمشق.
تحمل الأشكال والنقوش المستخدمة في الزجاج المعشق دلالات ثقافية ودينية عميقة، حيث تتنوع تصاميمها بين الأشكال الهندسية، والنباتية، والتصويرية. هذه الأعمال الفنية تساهم في إضفاء لمسة من الجمال على الأماكن التي تُزينها، مما يعكس ذوق المجتمع السوري ورغبته في إظهار الجمال والإبداع من خلال فنونهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقنيات المستخدمة في صناعة الزجاج المعشق تتطلب مهارات عالية، حيث يقوم الفنان بدمج الألوان المختلفة لصنع قطع فريدة يعكس كل منها روح عصره.
تظل دمشق مركزًا رئيسيًا لفن الزجاج المعشق، إذ يُعد العديد من الحرفيين والفنانين في المدينة من أبرز الأسماء التي ساهمت في الحفاظ على هذه الحرفة التقليدية. يتنقل هؤلاء الفنانون بين الأجيال، حيث ينقلون مهاراتهم وتجاربهم إلى الشباب، مما يساهم في المحافظة على تراث هذا الفن العريق. إن الحفاظ على هذه التقاليد والتقنيات يعد أمرًا حيويًا لضمان استمرار إرث الزجاج المعشق كجزء من الهوية الثقافية في سوريا.
الموزاييك الخشبي الدمشقي
يُعتبر الموزاييك الخشبي الدمشقي من أبرز رموز التراث الفني في سوريا، حيث يُظهر الإبداع والحرفية الفائقة التي تميز الثقافة السورية. يتم إنتاج هذا النوع من الموزاييك باستخدام أخشاب طبيعية نادرة، مثل خشب البلوط والزان، التي تتمتع بالقوة والجمالية. تجسد التصاميم المعقدة القدرة على دمج الألوان والمواد المختلفة، حيث تُستخدم قطع من الصدف والفضة لإضافة لمسات فاخرة تعكس التراث الغني للمدينة.
تحمل هذه الأعمال الفنية قيمة كبيرة، ليس فقط من الناحية الجمالية وإنما الثقافية أيضاً، حيث ساهمت في إبراز الهوية السورية الفريدة. يعود تاريخ فن الموزاييك الخشبي الدمشقي إلى قرون مضت، إلا أن نقطة تحول رئيسية حدثت في عام 1880 عندما منح السلطان عبد الحميد الثاني وساماً للحرفي المعروف جرجي بيطار، مما ساعد في رفع مستوى هذا الفن وشجعه على الانتشار في الأوساط الاجتماعية والنخبوية في ذلك الوقت.
ومن بين الأماكن البارزة في دمشق التي تعرض نماذج رائعة من الموزاييك الخشبي، نجد الأسواق التقليدية والبيوت القديمة حيث يمكن للزوار الاستمتاع بجماليات هذه الأعمال، بالإضافة إلى التعرف على التقنيات المستخدمة في صنعها. تُعد زيارة هذه المواقع تجربة فريدة من نوعها تمكّن الزوار من الانغماس في تاريخ المدينة واحتضان روحها الفنية.
إن أهمية الموزاييك الخشبي الدمشقي تكمن في كونه وثيقة حية تعكس تاريخ وحضارة سوريا، وتعد مثالاً واقعياً على جمال الحرف اليدوية التي تستحق التقدير والحفاظ عليها للأجيال القادمة.
البسط الشرقية: حرفة تقليدية
تعتبر البسط الشرقية من الحرف اليدوية التقليدية التي تتميز بها الثقافة السورية، حيث يعود تاريخها إلى العصور القديمة. كانت تُستخدم الأنوال اليدوية لصنع هذه البسط بطُرق تتطلب مهارات عالية واهتماماً بالغاً بالتفاصيل. بدو الصحراء كان لهم دورٌ رئيسي في تطوير هذه الحرفة، فأسلوب حياتهم ومعرفتهم بالطبيعة والألوان ساهم في تشكيل تصميمات متنوعة تعكس البيئة المحلية.
انتقلت حرفة صناعة البسط إلى حرفيي دمشق، حيث تم إدماج تقنيات جديدة وألوان أكثر حيوية، مما أضفى على هذه الحرف طابعاً متميزاً وفريداً. تُستخدم في صنع البسط التقليدية مواد طبيعية مثل الصوف والقطن، والتي تتأثر بشكل كبير ببيئة المنطقة. الأصباغ المستخدمة غالباً ما تُستخرج من عناصر طبيعية، الأمر الذي يعزز جماليات هذه الحرف ويضمن أنها ليست مجرد قطع فنية، بل تحكي قصصاً عن الثقافة والمكان.
بمرور الوقت، أصبح هناك اهتمام متزايد بالجمع بين التقليدي والحديث، مما أدى إلى بروز عدد من الفنانين المعاصرين الذين يواصلون إنتاج قطع من البسط الشرقية. هؤلاء الفنانون يستخدمون تقنيات حديثة مع التمسك بقيم الحرفة القديمة، حيث يمزجون بين الأساليب التقليدية والأفكار الجديدة لابتكار قطع فنية تعكس التغييرات الثقافية والاجتماعية في المجتمع السوري. من خلال هذا المزيج الفريد من الأصالة والتجديد، يستمر صُناع البسط في الحفاظ على هذا التراث الثقافي وإشعاعه بشكل يتناسب مع العصر الحديث.
النقش على الخشب: تراث معماري بين الماضي والحاضر
تعتبر حرفة النقش على الخشب من الفنون التقليدية العريقة في دمشق، حيث تعكس الأنماط الزخرفية الغنية التي ترتبط بتاريخ المدينة وتراثها الثقافي. يعود فن النقش على الخشب إلى عصور قديمة، وتحديداً خلال الفترات الأيوبية والمملوكية والفاطمية، حيث تفاعل هذا الفن مع مكونات العمارة الإسلامية. تميزت النقوش بأشكالها الهندسية وكتابات الخط العربي، الأمر الذي أضفى إلى هذه الأعمال المعمارية لمسة تعبيرية فريدة.
تعتبر النقوش عملاً فنياً يتطلب دقة ومهارة عالية. ويستخدم النقاشون التقليديون أدوات متنوعة، مثل الإزميل والمطرقة، لنحت الزخارف المعقدة على الأسطح الخشبية. وقد تطورت التقنيات المستخدمة في هذه الحرفة عبر الزمن، ولكن الأساسيات ظلت مرتبطة بالتراث المعماري الأصيل. تتراوح الأنماط المستخدمة في النقش بين الأشكال الهندسية البسيطة والزخارف النباتية المعقدة، مما يعكس جمال الطبيعة وروح الثقافة السورية.
تأثرت هذه الحرفة بروافد ثقافية متعددة، فقد استمدت إلهامها من الفنون البيزنطية والفارسية والعثمانية، مما أضاف عمقاً وثراءً للأشكال والنقوش. ومع ذلك، يواجه فن النقش على الخشب تحديات كبيرة في العصر الحديث، يتمثل أحدها في تراجع الاهتمام العام بهذه الحرفة بين الأجيال الجديدة. يقوم بعض النقاشين المعاصرين بالمحافظة على هذه الحرفة من خلال إدخال لمسات عصرية على التصاميم التقليدية، مما يمنحها حياة جديدة في سياق ثقافي متغير. ورغم الجهود المبذولة، إلا أن الحفاظ على تراث النقش على الخشب يبدو أمراً ضرورياً لضمان استمراره ونقله للأجيال القادمة.
ومن الحرف اليدوية أيضاً: القيشاني، صناعة بيت الشعر البدوي، الصب على الفحم، العقال العربي، الفرو، الفسيفساء، صياغة الذهب والفضة.