بئر الندوية (عين عسكر): لماذا يُعَدُّ أهم موقع أشولي في المشرق العربي القديم؟
كيف ساهمت التنقيبات الأثرية في كشف أسرار العصور الحجرية القديمة؟

تزخر منطقة المشرق العربي بمواقع أثرية تحكي قصة الاستيطان البشري عبر العصور الغابرة، ويبرز من بين هذه المواقع موقع استثنائي يحمل شهادات حية على فترات زمنية ممتدة من تاريخ الإنسان القديم. يمثل هذا الموقع نافذة علمية فريدة تتيح للباحثين والمهتمين فهم التسلسل الحضاري والثقافي الذي شهدته المنطقة منذ مئات آلاف السنين.
المقدمة
تُعَدُّ المواقع الأثرية التي تحتفظ بطبقات متعاقبة من الاستيطان البشري كنوزاً علمية لا تُقدر بثمن، فهي تمنح الباحثين فرصة نادرة لدراسة التغيرات الثقافية والتقنية التي مرّ بها الإنسان عبر الحقب الزمنية المختلفة. ومن بين هذه المواقع الاستثنائية التي تستحق الوقوف عندها بتمعن، نجد موقعاً أثرياً يحمل أهمية علمية بالغة في فهم العصور الحجرية القديمة بمراحلها المتنوعة. سنتناول في هذه المقالة التعريف بهذا الموقع الأثري الفريد، وسنستعرض تاريخ اكتشافه والجهود العلمية المبذولة في التنقيب فيه، مع تسليط الضوء على الأسباب التي جعلته محط اهتمام الباحثين والمختصين في علم الآثار على مستوى المشرق العربي القديم بأكمله.
موقع بئر الندوية وخصائصه الجغرافية
يقع بئر الندوية في حوضة الكوم على بعد 90 كيلومتراً تقريباً عن تدمر بجوار بئر قديم جاف الآن. اُكتُشف في عام 1978 م من قبل البعثة الأثرية الدائمة العاملة في حوضة الكوم بإدارة جاك كوفان، وبعد عامين من الاكتشاف قام “فرنسيس أور” بإجراء سبر في الموقع، ونتيجة لأهميته بدأت فيه تنقيبات منتظمة منذ عام 1989 م من قبل البعثة الأثرية السورية –السويسرية المشتركة بإشراف كل من “جان ماري لتنسورير” و”سلطان محيسن”، وأثمرت أعمال هذه البعثة عن كشف ما يزيد عن ثلاثين طبقة أثرية ضمن ترسبات تقدر سماكتها بنحو 25 متراً، وهي تحتوي على بقايا استيطان يغطي فترة طويلة من الزمن تمتد من العصر الأشولي الأعلى مروراً بالصناعات اليبرودية والهملية وحتى نهاية العسر الحجري القديم الأوسط (الثقافة الموستيرية).
أهمية بئر الندوية العلمية والأثرية
تأتي أهمية بئر الندوية بالدرجة الأولى من كونه يمثل أهم موقع أشولي في منطقة المشرق العربي القديم؛ حيث عُثِرَ فيه على أربع مراحل متتالية للثقافة الأشولية، وهي تؤرخ على نحو 550 إلى 350
ألف سنة قبل الميلاد.
الخاتمة
يُمثل بئر الندوية أو عين عسكر موقعاً أثرياً استثنائياً يستحق كل الاهتمام والتقدير من المهتمين بدراسة تاريخ الإنسان القديم وحضاراته. فمن خلال ما يزيد عن ثلاثين طبقة أثرية تمتد عبر فترة زمنية تقارب المائتي ألف عام، يقدم هذا الموقع سجلاً حضارياً متكاملاً يوثق لمراحل مهمة من العصور الحجرية القديمة. إن الجهود المتواصلة التي بذلتها البعثات الأثرية المختلفة منذ اكتشاف الموقع في عام ١٩٧٨ م وحتى التنقيبات المنتظمة التي بدأت عام ١٩٨٩ م، أسفرت عن كشف كنز علمي حقيقي يُثري معرفتنا بالماضي البشري في المشرق العربي. ويظل بئر الندوية شاهداً حياً على عراقة الحضارة الإنسانية في المنطقة، وعلى أهمية الحفاظ على المواقع الأثرية ودراستها بمنهجية علمية دقيقة لفهم جذورنا الحضارية وتراثنا الإنساني المشترك.



