الجامع الأموي الكبير في حلب: صرح تاريخي ومعماري عبر العصور

تعتبر مدينة حلب أقدم المدن المأهولة باستمرار في العالم، حيث يعود تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وقد شهدت تعاقب حضارات وإمبراطوريات تركت بصماتها على نسيجها العمراني والثقافي . ومن بين معالمها التاريخية البارزة يتربع الجامع الأموي الكبير، المعروف أيضًا باسم جامع حلب الكبير، كواحد من أقدم وأهم المساجد في المدينة . يتميز هذا الصرح المعماري بتراثه الفني الغني وأهميته التاريخية العميقة . وباعتباره جزءًا من مدينة حلب القديمة المصنفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، يكتسب الجامع الأموي قيمة عالمية استثنائية تستدعي الحفاظ عليه وصيانته .
يضفي على الجامع الأموي في حلب بعدًا دينيًا فريدًا اعتقاد المسلمين والمسيحيين على حد سواء بأنه يضم رفات النبي زكريا عليه السلام، والد النبي يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان)، وهما شخصيتان مقدستان في كلا الديانتين . هذا الإرث الديني المشترك يجعله موقعًا ذا أهمية خاصة يتجاوز حدود الطائفة الإسلامية.
وقد تعرض الجامع الأموي في حلب، كغيره من معالم المدينة، لأضرار جسيمة خلال سنوات الحرب السورية الأخيرة، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه، بما في ذلك مئذنته السلجوقية الشهيرة . وعلى الرغم من هذه المحنة، تتواصل جهود إعادة الإعمار والترميم بهدف استعادة هذا الصرح التاريخي إلى سابق عهده، تأكيدًا على صمود الإرث الثقافي وضرورة الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
التأسيس في العصر الأموي: البدايات الأولى
شهدت بدايات القرن الثامن الميلادي (أوائل القرن الهجري الثاني) إرساء حجر الأساس للجامع الأموي الكبير في حلب، وذلك بعد حوالي عقد من الزمن على اكتمال بناء الجامع الأموي الكبير في دمشق . يُعزى البدء في هذا المشروع الطموح إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك في عام 715 ميلادي، بينما تولى أخوه وخليفته سليمان بن عبد الملك مهمة إنجازه في عام 717 ميلادي . ويشير هذا التقارب الزمني بين البدء والانتهاء إلى سرعة التنفيذ التي تعكس إمكانيات الدولة الأموية وطموحها في إبراز قوتها ونفوذها المعماري والديني في مختلف أنحاء خلافتها.
تذكر بعض المصادر التاريخية، وخاصة المؤرخ الحلبي ابن العديم في القرن الثالث عشر الميلادي، أن الخليفة سليمان كان له الدور الأكبر في إتمام بناء الجامع، بل وربما كان الدافع الرئيسي لإنشائه بهدف منافسة جامع دمشق الذي بناه أخوه الوليد . في المقابل، يقترح المؤرخ المعماري جير ل. باخاراش نظرية أخرى مفادها أن المسؤول الأرجح عن وضع حجر الأساس للجامع هو مسلمة بن عبد الملك، شقيق الخليفتين ووالي المنطقة، الذي ربما رأى في بناء مسجد جامع كبير في حلب، التي كانت قاعدة عسكرية مهمة في مواجهة البيزنطيين، أمرًا ضروريًا ومناسبًا . هذا التباين في الروايات التاريخية يسلط الضوء على التحديات التي تواجه المؤرخين عند تتبع تفاصيل مشاريع البناء الكبرى في العصور الإسلامية المبكرة، حيث قد تتداخل دوافع مركز السلطة مع طموحات وتأثيرات الشخصيات الإقليمية.
وقد أقيم الجامع الأموي في حلب على موقع ذي أهمية تاريخية عريقة، حيث كان يشغل سابقًا ساحة الأغورا في العصر الهلنستي، ثم تحول لاحقًا إلى حديقة تابعة لكاتدرائية القديسة هيلانة خلال العصر الروماني المسيحي . وتشير المصادر أيضًا إلى أن المسجد بُني على أرض كانت تستخدم في السابق كمقبرة للكاتدرائية . إن إعادة استخدام المواقع المقدسة كانت ممارسة شائعة في المراحل الأولى من الفتوحات الإسلامية، حيث كانت ترمز إلى تحول السلطة الدينية ودمج المناظر الثقافية القائمة في النظام الجديد.
من حيث التصميم المعماري الأولي، يُعتقد أن جامع حلب الكبير كان يتبع تخطيطًا مشابهًا للجامع الأموي في دمشق، حيث كان يتألف من فناء واسع محاط بأروقة، بالإضافة إلى قاعة صلاة طويلة وضحلة تقع في اتجاه القبلة . ويُرجح أن الزخارف الأصلية للمسجد كانت تتضمن عناصر فخمة مثل تكسية الجدران بالرخام والفسيفساء، على غرار ما كان موجودًا في جامع دمشق . إن هذا التشابه المتعمد في التصميم يؤكد على الرؤية المعمارية الموحدة للخلافة الأموية ورغبتها في إبراز هوية معمارية متسقة في مدنها الرئيسية.
تطورات معمارية وترميمات عبر العصور الإسلامية
مر الجامع الأموي الكبير في حلب بعدة مراحل من التطور المعماري والترميمات الهامة عبر العصور الإسلامية المختلفة، حيث أضافت كل حقبة بصمتها الخاصة على هيكل المسجد وتصميمه.
في عهد الدولة الحمدانية خلال القرن العاشر الميلادي (القرن الرابع الهجري)، شهد المسجد أولى عمليات الترميم الموثقة بعد الأضرار التي لحقت به نتيجة لغزو البيزنطيين لحلب عام 962 ميلادي . وفي عام 965 ميلادي (354 هجري)، أمر سيف الدولة الحمداني بإنشاء نافورة مياه للوضوء ذات قبة في فناء المسجد، والتي قام بتنفيذها خادمه قراويه . هذه الترميمات المبكرة تعكس الأهمية التي كان يحظى بها المسجد لدى الحكام المحليين وحرصهم على صيانته بعد تعرضه للأضرار.
خلال فترة حكم الدولة السلجوقية في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، أُضيفت إلى المسجد تحفة معمارية بارزة وهي المئذنة الشاهقة التي يبلغ ارتفاعها 45 مترًا. بدأ بناء هذه المئذنة في عام 1090 ميلادي (483 هجري) واكتمل في عام 1094 ميلادي (487 هجري)، وذلك بأمر من قاضي حلب الشيعي أبي الحسن محمد بن الخشاب، خلال فترة حكم الوالي السلجوقي آق سنقر الحاجب، وقد قام بتصميمها المعماري حسن بن مفرج السرميني . تحمل المئذنة نقوشًا كوفية ونسخية مفصلة وزخارف مميزة تعكس فن العمارة السلجوقية . ويُعتقد أن هذه المئذنة ربما حلت محل مئذنة أقدم كانت موجودة في الموقع . لقد أصبحت المئذنة السلجوقية علامة فارقة في تاريخ المسجد وعمارته، وشاهدًا على ازدهار الفنون في تلك الفترة.
في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، وخلال حكم الدولة الزنكية، تعرض المسجد لحريق كبير في عام 1159 ميلادي (554 هجري) أدى إلى تدمير الهيكل الأموي السابق. أمر السلطان الزنكي نور الدين زنكي بإعادة بناء المسجد وتوسعته . شملت أعمال الترميم استبدال العديد من أعمدة الأروقة وتوسيع الجزء الشرقي من قاعة الصلاة . تعكس هذه الجهود الأهمية الكبيرة التي كان يوليها نور الدين زنكي للمعالم الدينية وحرصه على إعادة تأهيلها بعد تعرضها للكوارث.
شهد عهد الدولة الأيوبية في أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر الميلادي بعض الترميمات الطفيفة، مثل تجديد طلاء الجدار الجنوبي لقاعة الصلاة وإصلاح سقف الرواق الغربي بأمر من السلطان الظاهر غازي .
أما الفترة الممتدة من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر الميلادي، والتي شهدت حكم الدولة المملوكية، فقد كانت حافلة بأعمال إعادة البناء والتعديلات المعمارية الواسعة النطاق في الجامع الأموي بحلب. وذلك بعد تعرض المسجد لأضرار بالغة نتيجة لغزوات المغول في عامي 1260 ميلادي (658 هجري) و1281 ميلادي (679 هجري) . قام المماليك باستبدال السقف الخشبي لقاعة الصلاة بأقبية حجرية مدعومة بأعمدة . وفي عام 1285 ميلادي (684 هجري)، قام السلطان قلاوون باستبدال المحراب المحترق . كما أمر السلطان الناصر محمد (1293-1341 ميلادي) بإنشاء منبر جديد للمسجد . وعلى الرغم من وجود نقش يشير إلى أن المدخل المركزي للمسجد تم بناؤه في عهد السلطان العثماني مراد الثالث، إلا أن المؤرخين يرجحون أنه يعود في الأصل إلى فترة حكم المماليك . كما تم تجديد الرواق الشمالي للمسجد في عهد السلطان المملوكي برقوق (1382-1399 ميلادي) . تعكس هذه الترميمات والتعديلات المملوكية التأثيرات المعمارية لتلك الفترة وحرص السلاطين المماليك على إبراز بصمتهم على هذا الصرح الديني الهام.
خلال العصر العثماني (القرن السادس عشر إلى القرن العشرين الميلادي)، لم يشهد الجامع الأموي تغييرات جذرية في هيكله الأساسي، إلا أن بعض الإضافات والتحسينات الطفيفة تمت، مثل الشكل الحالي لنافورة الوضوء في الفناء التي تعود إلى هذه الفترة .
في العصر الحديث، وتحديدًا في عام 2003، خضع الجامع الأموي لعملية ترميم شملت الفناء والمئذنة . إلا أن المأساة الكبرى حلت بالمسجد خلال الحرب السورية، حيث تعرض لأضرار جسيمة أدت إلى انهيار المئذنة السلجوقية الشهيرة في أبريل عام 2013 . هذه الأحداث المتكررة من الدمار وإعادة البناء على مر العصور تؤكد على مكانة المسجد المحورية في تاريخ حلب وهويتها، حيث تركت كل حقبة بصمتها الفريدة على هذا الصرح العظيم.
وصف العمارة الفريدة: المئذنة، الباحة، وقبة النسر
يتميز الجامع الأموي الكبير في حلب بعناصر معمارية فريدة تجسد مختلف المراحل التاريخية التي مر بها، وأبرز هذه العناصر هي المئذنة، والباحة، وقاعة الصلاة الرئيسية.
كانت المئذنة السلجوقية، التي شيدت في الركن الشمالي الغربي من المسجد بين عامي 1090 و 1094 ميلادي، تُعتبر من أبرز معالم حلب التاريخية . بلغ ارتفاعها 45 مترًا وتميزت بزخارفها الحجرية المتقنة التي تعكس فن العمارة السورية في القرن الحادي عشر الميلادي، بما في ذلك النقوش الكوفية والنسخية المحفورة، والزخارف النباتية والهندسية الأنيقة، وعناصر المقرنصات . حملت المئذنة نقوشًا تشير إلى اسم مؤسسها القاضي أبو الحسن محمد بن الخشاب واسم المهندس المعماري حسن بن مفرج السرميني . وقد رأى بعض الباحثين أن تصميم المئذنة يحمل تأثيرات من العمارة الرومانية والقوطية، مما يشير إلى تبادل الأفكار الفنية بين العالم الإسلامي وأوروبا في العصور الوسطى . إلا أن هذه التحفة المعمارية الفريدة تعرضت للأسف للتدمير الكامل خلال الحرب السورية في أبريل عام 2013 .
أما الباحة، فهي فناء مستطيل واسع تبلغ أبعاده حوالي 150 × 100 متر، يتميز بأرضيته المرصوفة بالحجارة السوداء والبيضاء المتناوبة في أنماط هندسية معقدة، وهو تصميم يشبه إلى حد كبير فناء الجامع الأموي في دمشق . يحيط بالفناء أروقة (رواقات) مدعومة بأعمدة حجرية ضخمة، توفر الوصول إلى قاعة الصلاة والأجزاء الأخرى من المسجد . كما يضم الفناء نافورتين للوضوء . تعمل الباحة كفضاء مركزي هام في تصميم المسجد التقليدي، حيث توفر منطقة للتجمع والتطهير قبل الدخول إلى قاعة الصلاة.
تقع قاعة الصلاة الرئيسية في الجانب الجنوبي من الفناء، وهي عبارة عن قاعة ذات تصميم رواقي (hypostyle) تتكون من ثلاثة أروقة مدعومة بثمانية عشر عمودًا رباعيًا تحمل أقبية متقاطعة، وهي تعديل يعود إلى الفترة المملوكية . تضم قاعة الصلاة مقام النبي زكريا عليه السلام (المقصورة)، الذي يقع عادة على يسار المحراب ومزين ببلاط قاشاني . كما تحتوي القاعة على محراب مزخرف بشكل متقن يشير إلى اتجاه القبلة ومنبر يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر الميلادي . أما بالنسبة لمصطلح “قبة النسر“، فهو أكثر شهرة في وصف الجامع الأموي بدمشق للإشارة إلى القبة المركزية فوق قاعة الصلاة. وفيما يتعلق بجامع حلب، تشير المصادر إلى وجود قبة مركزية أصلية كانت موجودة قبل التعديلات المملوكية التي استبدلت السقف المسطح والأقبية الحجرية .
الدور الديني والثقافي والاجتماعي للجامع في حلب
لعب الجامع الأموي الكبير في حلب دورًا محوريًا في الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية للمدينة على مر التاريخ. فقد كان المسجد الجامع الرئيسي الذي تقام فيه صلاة الجمعة والصلوات الجماعية الأخرى، مما جعله مركزًا دينيًا هامًا للمسلمين في حلب .
وقد اكتسب الجامع أهمية دينية خاصة لاعتقاد المسلمين والمسيحيين بأنه يضم رأس النبي زكريا عليه السلام، مما جعله مزارًا مقدسًا وموقعًا يحظى بالاحترام والتقدير من أتباع الديانتين . هذا الاعتقاد المشترك ربما ساهم في تعزيز التسامح الديني والتفاعل الإيجابي بين مختلف الطوائف في حلب عبر التاريخ.
على الصعيد الثقافي، يُعتبر الجامع الأموي في حلب نموذجًا بارزًا للعمارة الإسلامية التي تعكس أساليب مختلف السلالات الحاكمة التي حكمت المدينة، بدءًا من الأمويين وصولًا إلى العثمانيين . وتشير أوجه التشابه المعماري بينه وبين الجامع الأموي في دمشق إلى التأثير القوي للنموذج المعماري الأموي . وقد ألهم تصميمه العديد من المساجد الأخرى في المنطقة . وباعتباره صرحًا معماريًا عريقًا، فقد كان الجامع بمثابة سجل بصري لتطور الفنون والعمارة الإسلامية في المنطقة على مر القرون.
أما على الصعيد الاجتماعي، فمن المرجح أن الجامع الأموي كان يمثل مركزًا هامًا للتجمع والتفاعل الاجتماعي في حلب، حيث كان الناس يلتقون فيه لأداء الصلوات وتبادل الأخبار والمشاركة في المناسبات الدينية والاجتماعية المختلفة . وعلى الرغم من أن المصادر المتوفرة لا تقدم تفاصيل واسعة حول وظائفه الاجتماعية اليومية، إلا أن الدور التقليدي للمساجد في المجتمعات الإسلامية يشير إلى أنه كان له دور حيوي في تعزيز الروابط الاجتماعية والهوية الجماعية في حلب.
أحداث تاريخية هامة ارتبطت بالجامع الأموي
شهد الجامع الأموي الكبير في حلب على مر تاريخه الطويل العديد من الأحداث الهامة التي تركت بصماتها عليه. فقد كان تأسيسه في العصر الأموي في أوائل القرن الثامن الميلادي بمثابة إعلان عن قوة الدولة الإسلامية وتطور فنونها المعمارية .
وفي فترة لاحقة، تعرض الجامع للتخريب وسرقة بعض أعماله الفنية من قبل العباسيين في إطار صراعهم مع الأمويين، مما يوضح كيف يمكن أن تؤثر التحولات السياسية على التراث الثقافي . كما لحقت بالمسجد أضرار نتيجة لغزو الإمبراطور البيزنطي نقفور الثاني فوكاس في عام 962 ميلادي، مما يدل على تعرضه للخطر خلال الصراعات الخارجية .
خلال فترة الحروب الصليبية وما تلاها من اضطرابات، كان الجامع الأموي في قلب الأحداث. فقد تعرض للنهب من قبل الفاطميين في عام 1168 ميلادي، ثم أعيد بناؤه على يد نور الدين زنكي . وفي عام 1280 ميلادي، قام الملك الأرمني سيس بغزو المدينة وحرق المسجد، ولم تسلم من النيران سوى المئذنة السلجوقية .
كانت غزوات المغول في القرن الثالث عشر الميلادي مدمرة بشكل خاص، حيث ألحقت بالجامع أضرارًا بالغة استدعت عمليات إعادة بناء واسعة النطاق من قبل المماليك. وتذكر الروايات التاريخية قيام بعض الزعماء المحليين بإنقاذ رفات النبي زكريا عليه السلام وإعادة دفنها في موقعها الحالي داخل المسجد بعد الحريق الذي تسبب فيه المغول .
وفي العصر الحديث، تعرض الجامع الأموي لأشد الأضرار خلال الحرب السورية، حيث دُمرت مئذنته السلجوقية في أبريل عام 2013، وتحول المسجد إلى ساحة قتال، مما يبرز التأثير المدمر للنزاعات المعاصرة على المعالم التاريخية . وقد تضاربت الروايات حول المسؤولية عن تدمير المئذنة .
الوضع الراهن وجهود إعادة الإعمار والترميم
يعاني الجامع الأموي الكبير في حلب حاليًا من أضرار جسيمة لحقت بفنائه وقاعة الصلاة، بالإضافة إلى التدمير الكامل للمئذنة السلجوقية التي كانت رمزًا مميزًا للمدينة .
ومع ذلك، تتواصل الجهود الحثيثة لإعادة إعمار وترميم هذا الصرح التاريخي، وذلك بدعم من وزارة الأوقاف السورية وبمشاركة حرفيين مهرة وخبراء فنيين محليين . وقد تم بالفعل إعادة افتتاح بعض أجزاء المسجد، بما في ذلك الفناء، لإقامة الصلوات، حيث شهد المسجد أول صلاة تراويح بعد انقطاع دام 12 عامًا خلال شهر رمضان الماضي . هذا الافتتاح الجزئي يمثل علامة أمل ويؤكد على صمود المجتمع الحلبي وتصميمه على إحياء هذا المعلم الديني والثقافي الهام.
تُستخدم تقنيات حديثة مثل التوثيق الفوتوغرافي المتري وربما تقنيات الواقع المعزز الافتراضي في التخطيط لإعادة بناء المئذنة، بهدف تحقيق أعلى مستويات الدقة والأصالة والقابلية للعكس في عملية الترميم . ويُتوقع أن يستغرق مشروع الترميم بأكمله عدة سنوات . وتجدر الإشارة إلى وجود بعض المساعدات والجهود الدولية في دعم عملية إعادة الإعمار .
الخاتمة
يبقى الجامع الأموي الكبير في حلب شاهدًا حيًا على عظمة الحضارة الإسلامية وتاريخ مدينة حلب العريق. لقد تجاوز هذا الصرح الديني والمعماري محنًا وصراعات عديدة على مر القرون، وشهد على إبداعات فنية وهندسية رائعة. وعلى الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت به في العصر الحديث، فإن الجهود المستمرة لإعادة إعماره وترميمه تبعث الأمل في استعادة هذا المعلم التاريخي الهام ليظل رمزًا شامخًا لتراث حلب الثقافي والديني للأجيال القادمة. إن الحفاظ على هذا الجامع ليس مجرد واجب تجاه تاريخ المدينة وتراثها، بل هو أيضًا مساهمة في الحفاظ على الذاكرة الإنسانية المشتركة.