بين إيران ولبنان... تفاقم سياسي بأجنحة جوية

بقلم: الدكتور عاصم عبد الرحمن
لا تزال أزمة الطيران بين إيران ولبنان تتفاعل بحيث مُنعت طائرة إيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري في بيروت، ما دفع بأنصار حزب الله إلى قطع الطرقات وإحراق الدواليب احتجاجاً ظاهرياً على أزمة دبلوماسية في حين أنها تحمل في طياتها تخوفاً سياسياً ومالياً على مستقبل الحزب ومساره السياسي في لبنان. ردّت طهران بالمثل رافضةً استقبال طائرة لبنانية على أراضيها. من الواضح أن أزمة الطيران المتفاقمة بين إيران ولبنان تعكس تحولات جيوسياسية أعمق مما تبدو عليه، فهي تعيد رسم ملامح النفوذ الإيراني في بيروت، فهل يلاقي اللبنانيون المسار السوري الذي كسر القيود الإيرانية في المنطقة؟
تراجع إيراني في لبنان
إن قرار السلطات اللبنانية بمنع هبوط الطائرة الإيرانية في بيروت يشير بوضوح إلى تآكل النفوذ الإيراني داخل المؤسسات السياسية والأمنية اللبنانية. ومن المرجح أن يكون هذا القرار قد اتُّخذ بالتنسيق مع جهات دولية فاعلة، في خطوة تؤكد أن بيروت تسعى إلى التخفيف من اعتمادها على طهران وبالتالي الخضوع لها. في المقابل، جاء الرد الإيراني سريعاً بمنع الطائرة اللبنانية من الهبوط في مطار طهران لإجلاء رعايا لبنانيين، في محاولة واضحة لممارسة الضغط على لبنان، لكنها لم تُسفر إلا عن زيادة التوتر وكشف الانقسامات الداخلية.
حزب الله تحت الضغط الداخلي
شهدت بيروت احتجاجات لأنصار حزب الله أمام مطار رفيق الحريري بحيث أقدموا على قطع الطرق وإشعال الإطارات، احتجاجاً على منع الطائرة الإيرانية من الهبوط. ومع ذلك، فإن تدخل الجيش اللبناني السريع لمنع إغلاق المطار يعكس تزايد استقلالية المؤسسات الأمنية اللبنانية عن تأثير حزب الله، ما يشير إلى تراجع هيمنته المطلقة على المشهد اللبناني.
تشديد الرقابة الدولية على لبنان
خلال الأشهر المنصرمة، تزايدت عمليات التدقيق في مطار بيروت بصورة ملحوظة، بخاصة بعد تفتيش دقيق لطائرة إيرانية كانت تقل وفداً دبلوماسياً. ومن الواضح أن هذه الإجراءات جاءت في سياق الضغوط الدولية لمنع أي استغلال غير مشروع للمطار كنقل الأموال والأسلحة الإيرانية إلى الحزب. هذه التحركات تعكس ضموراً في حرية الحركة الإيرانية في لبنان وتزايد الرقابة الدولية على أنشطتها هناك.
ضعف إيراني وصعود قوى المعارضة
إن تراجع النفوذ الإيراني في لبنان ليس سوى جزءاً من الصورة الأكبر. فإلى جانب التحديات الإقليمية، تواجه طهران ضغوطاً متزايدة على الصعيد الدولي. وقد تجلّى ذلك بوضوح في خلال التظاهرة الحاشدة التي نظمتها المعارضة الإيرانية في باريس في 8 شباط بحيث شارك أكثر من 20 ألف شخص في مسيرة وصفت بالهائلة لدعم المقاومة الإيرانية والمطالبة بإنهاء نفوذ النظام الإيراني. هذه التظاهرة، التي حظيت بتأييد شخصيات سياسية بارزة، أثبتت أن النظام الإيراني لا يواجه تحديات خارجية وحسب، بل يواجه أيضاً أزمة شرعية داخلية متزايدة.
خيارات الرد
في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والعقوبات المشددة، فإن خيارات إيران للضغط على لبنان تبدو محدودة. فقرار منع الطائرة اللبنانية من الهبوط في طهران، رغم كونه خطوة تصعيدية، لن يحقق مكاسب استراتيجية على المدى الطويل. في المقابل، تسعى وزارة الخارجية اللبنانية لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة، في خطوة تعكس رغبة بيروت في إدارة التوترات مع طهران من دون الرضوخ لإملاءاتها.
لا يمكن النظر إلى هذه الأزمة على أنها مجرد خلاف تقني في مجال الطيران، بل هي انعكاس واضح لتراجع النفوذ الإيراني في لبنان. فبيروت، من خلال هذا القرار، توجه رسالة واضحة إلى العالم بأنها لم تعد خاضعة بالكامل لنفوذ طهران وحلفائها، بل تسعى إلى تبني نهج أكثر استقلالية في علاقاتها الإقليمية. ويبقى مسار هذه الأزمة مرتبطاً بمدى قدرة الطرفين على التوصل إلى تفاهمات عبر المفاوضات، لكن ما هو واضح حتى الآن أن موازين القوى في لبنان آخذة في التغير، وهو ما قد يكون له تداعيات أوسع على المشهد الإقليمي بأسره.