التراث اللامادي

حلاوة الجبن: تراث حموي سوري أصيل

تعد حلاوة الجبن واحدة من أشهر الحلويات التقليدية التي تُعرف بها مدينة حماة السورية، والتي تجمع بين البساطة في المكونات والتعقيد في التحضير. تتميز هذه الحلوى بنكهتها اللذيذة التي تحظى بإعجاب الكثيرين، ليس فقط في سورية، بل في مختلف أنحاء العالم العربي. تعود أصول حلاوة الجبن إلى التاريخ العريق للمدينة، حيث تتناقل وصفاتها وأساليب تحضيرها عبر الأجيال، مما يعزز مكانتها في التراث الثقافي السوري.

تمثل حلاوة الجبن جزءاً لا يتجزأ من مناسبات سكان مدينة حماة، وهي ليست مجرد حلوى لتذوقها في المنزل، بل تمتد إلى المناسبات الاجتماعية والأعياد. تعتمد حلاوة الجبن في تصنيعها على مزيج دقيق من المواد الأساسية مثل الجبن الطازج، والسميد، وماء الزهر، الذي يُضفي على الحلوى طابعاً فريداً يجعلها متميزة عن غيرها من الحلويات الشرقية.

لا يمكن الحديث عن حلاوة الجبن دون الإشارة إلى أهمية الجبن الطازج الذي يُستخدم في إعدادها. غالباً ما يتم صنع الجبن في هذا النوع من الحلوى بطرق تقليدية تُعكس براعة الحرفيين المحليين في تحويل المكونات المتوفرة إلى تجربة تذوق لا تُنسى. يتميز هذا الجبن بقوامه الطري ونكهته العذبة التي تتكامل بسلاسة مع السميد المحلى وماء الزهر.

بفضل هذه الخصائص الفريدة، انتشرت حلاوة الجبن إلى مختلف المدن السورية وفي البلدان العربية، وظلت محافظة على شعبيتها الكبيرة. يعد تناول هذه الحلوى تجسيداً لتاريخ طويل من العادات والتقاليد الموروثة، حيث يسعى الجميع إلى الحفاظ على هذا الإرث الغذائي وتعريف الأجيال الجديدة به.

أصل حلاوة الجبن

تُعدُّ مدينة حماة السورية المهد الأول لحلاوة الجبن، هذه الحلوى التي تمزج بين البساطة والغنى بالنكهة، حيث تعكس تاريخاً غذائياً طويلاً يمتد عبر الأجيال. يعود أصل هذا الطبق إلى التراث السوري القديم، إذ يُحكى أن حلاوة الجبن بدأت كوجبة بسيطة بين الأسر الحموية التي كانت تفضل استخدام الحليب الطازج ومشتقاته لصنع الحلوى. ومع مرور الوقت، اكتسبت حلاوة الجبن شعبية واسعة وانتشرت في مدن ومناطق سورية أخرى، لتصبح رمزاً للعراقة والتقاليد.

ومع انتشار هذه الحلوى خارج حدود حماة، بدأت المدن الأخرى في تقديم نسختها الخاصة، محاولين الاحتفاظ بالأساسيات التي تجعل حلاوة الجبن فريدة من نوعها، ولكن مع إضافة بعض اللمسات المحلية التي تضفي عليها شخصية خاصة بكل مدينة.

اقرأ أيضاً:  كيفية الحفاظ على التراث الثقافي السوري غير المادي: الإستراتيجيات والرؤى

بفضل هذه الحلوى التقليدية، تعكس حماة جزءاً كبيراً من تراثها الثقافي والغذائي، مما يجعلها وجهة محببة لعشاق الطهي الذين يرغبون في تذوق قطعة من التاريخ السوري. إن المعرفة بفن صناعة حلاوة الجبن تعزز من قيمة التراث السوري وتحفظه للأجيال القادمة.

تاريخ حلاوة الجبن

تُعد حلاوة الجبن من الحلويات التراثية القديمة التي تعود جذورها إلى أكثر من ١٥٥ عاماً في مدينة حماة السورية. هذا النوع من الحلويات لم يُحفظ فقط كتراث غذائي حيّ، بل نشأ وتطور عبر العصور ليحمل معانٍ ثقافية وتاريخية عميقة. حلاوة الجبن بدأت بطرق إعداد بسيطة ومتقنة تعتمد على مكونات طبيعية متوفرة في البيئة السورية التقليدية.

كانت تؤكل حلاوة الجبن بمناسبة الأعياد والاحتفالات الكبيرة، حيث تذكر المصادر التاريخية أن الطهاة في القصور والبيوت الكبيرة كانوا يتفننون في إعدادها وتزيينها بالفستق الحلبي وماء الزهر المستخرج محلياً. عملية إعدادها كانت تتم يدوياً وبطرق تظهر المهارات العالية التي يتمتع بها الصناع، مما يجعلها تتميز بمذاق خاص ونكهة فريدة.

مع تطور تقنيات التصنيع الغذائي وظهور الأسواق الكبيرة، أصبحت حلاوة الجبن متوفرة بطرق إنتاج متطورة، مما ساهم في انتشارها ليس فقط في سوريا بل في العديد من الدول العربية والأجنبية. ورغم هذه التطورات، حافظت حلاوة الجبن على أسلوب إعدادها التقليدي وطعمها المميز، مما يجعلها متجذرة في التراث الحموي السوري حتى يومنا هذا.

طبق مزين ومنسق بشكل إبداعي لحلاوة الجبن الحموية. تصوير: فريق الموسوعة السورية. Credit: syrianpedia

أول من صنع حلاوة الجبن

تحمل كل حلوى تقليدية تاريخاً غنياً بالأحداث والقصص، وحلاوة الجبن ليست استثناءً من ذلك. يعتقد أن هذه الحلوى الشهيرة والمنعشة قد نشأت في مدينة حماة الواقعة في قلب سورية. وفقاً لقصة تُروى بين أبناء المدينة، كان هناك رجل من عائلة سلورة الحموية يدعى أحمد حلوم سلورة هو أول شخص قام بصنع حلاوة الجبن وذلك في عام ١٨٦٨ ميلادية، ثم تألق أحفاده في تطوير صناعتها ومنهم حمدو سلورة الذي كان له الفضل في صنع المعجوقة إضافة إلى صنع البوظة من الفاكهة الطبيعية دون إضافة مواد صناعية وبطريقة يدوية، هذا وقد تعلم على يديه أقاربه ومعظم الذين عملوا بصناعة حلاوة الجبن والبوظة في حماة وحلب وحمص وبقية المحافظات.

اقرأ أيضاً:  الشاكرية السورية: أكلة تراثية تجسد العراقة والأصالة والطعم اللذيذ

كما تظهر سجلات الدولة العثمانية في سورية أنها دونت محال حلاوة الجبن من المالكانات التجارية المخصصة فقط لمدينة حماة في القرن العشرين.

كانت فكرة أحمد حلوم سلورة مبتكرة تهدف إلى تحويل المكونات البسيطة والمتوفرة إلى طبق ساحر يجمع بين الطعم الحلو والملمس الطري، جنباً إلى جنب مع نكهة الفستق الفريدة.

تُظهر تلك الحكايات القديمة أن أحمد حلوم سلورة استلهم فكرته من رغبته في تقديم شيء مميز يجمع بين مكونات تقليدية مثل الجبنة والقشطة والسكر. وأطلق تجاربه باستخدام نوع خاص من الجبن المحلي اللين واختلطت بماء الورد والسكر، ثم دحرجها وحشاها بالقشطة والفستق المطحون. وهكذا، أصبحت حلاوة الجبن منتجا فريدا يتناسب مع الأذواق السورية الرفيعة ويعكس التراث الغني للمدينة.

كما يُقال أن أحمد حلوم سلورة صمم أولى عجيناته مستخدماً الطريقة التقليدية اليديوية التي تمثل مهاراته الفريدة والصبر خلال مراحل التحضير الطويلة. وأخيراً، أصبحت حلاوة الجبن تُعرف وتتوارث بمهارة عبر الأجيال، ليست فقط في حماة ولكن في كل أنحاء سورية وصولاً إلى بلاد الشام ودول الخليج.

اليوم لا تزال حلاوة الجبن تُعد جزءاً لا يتجزأ من الثقافة السورية، وتُعد في كل المناسبات، مقترنة بالحنين إلى الماضي والتقاليد العريقة. تترافق قِصص صناعتها الرائدة مع كل لذة نتذوقها في كل لقمة، مما يجعل من كل طبق ليس مجرد حلوى، بل سفرا إلى جذور التراث السوري الأصيل.

مكونات حلاوة الجبن

١ –الجبن: في الغالب تستخدم جبنة العكاوي أو جبنة موتزاريلا، التي تساهم تحقيق القوام المطاطي الناعم للطبق.

٢ –السميد الناعم: الذي يساعد في تكثيف الخليط وإضفاء ملمس ناعم عليه.

٣ –ماء.

٤ –سكر.

٥ –ماء الورد.

٦ –قشدة.

٧ –فستق حلبي للتزيين.

طريقة التحضير:

  • إعداد العجينة: في وعاء على النار، نذوب السكر في الماء. نسكب السميد تدريجيًا مع التحريك المستمر حتى يصبح الخليط سميكًا. نضيف الجبن وماء الورد ونخلط جيدًا.
  • تشكيل الحلاوة: نضع القليل من الماء على سطح العمل ونفرد العجينة حتى تصبح رقيقة. نقطعها إلى مستطيلات ونحشي كل قطعة بالقشطة. نلفها بإحكام.
  • التزيين والتقديم: نزين الحلاوة بالفستق الحلبي وزهر الليمون. تقدم باردة.
اقرأ أيضاً:  كيفية إحياء الموسيقى الشعبية السورية: نهضة ثقافية

المعلومات الغذائية (لكل قطعة ١٦٠ غراماً):

  • سعرات حرارية: ٥٦١ سعرة حرارية.
  • دهون: ٣٥ غراماً (مشبعة: ٢٣ غراماً).
  • كوليسترول: ١٢٨ ملليغراماً.
  • كربوهيدرات: ٥٤ غراماً.
  • بروتينات: ٨ غرامات.

الأسئلة الشائعة

١ –هل حلاوة الجبن حموية أم حمصية؟

بكل تأكيد حلاوة الجبن حموية، لكن العوامل التاريخية والإعلامية ساهمت في أن تأخذ حمص وهي المدينة المجاورة لحماة أن تأخذ الشهرة بين قلة قليلة من السوريين.

٢ –لماذا صنع الحمويون حلاوة الجبن؟

السبب في ذلك أن مدينة حماة وريفها مشهورون بصناعة الجبن والسمن العربي واللبن العربي اللذيذ بسبب كثرة المراعي فيها خاصة في الريف الشرقي، ولأن هذه المدينة مشهورة بصناعة الجبن، والجبن مكون رئيس في هذه الحلوى؛ فقد اخترع الحمويون هذه الحلوى التراثية اللذيذة.

٣ –من هو أشهر وأطيب محل لصنع الحلوى في حماة حالياً؟

المشهور هو ثلاثة محلات سلورة وأفاميا والروادي، لكن المحل الأطيب والألذ بكل حيادية هو محل أفاميا الكائن في ساحة العاصي.

٤ –هل فعلاً من قام باختراع حلاوة الجبن قام بنقلها من مدينة طرابلس؟

هذا الكلام غير صحيح ولا يستند إلى أي دليل تاريخي من المصادر والمراجع والشهادات المحلية، وكما ذكرنا فإن اشتهار مدينة حماة بصناعة الجبن ساهم في صناعة هذه الحلوى.

٥ –من أول شخص صنع حلاوة الجبن وفي أي عام؟

أول شخص صنع حلاوة الجبن هو أحمد حلوم سلورة وكان ذلك في عام ١٨٦٨ ميلادية.




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحباً!

انقر على أحد جهات الاتصال أدناه للدردشة على واتساب.

×