التراث المادي

مدينة شهبا فيليبيوبوليس: مدينة التاريخ والإمبراطور فيليب العربي

تعد مدينة شهبا، المعروفة أيضًا باسم فيليبيوبوليس، واحدة من الكنوز الأثرية الأكثر أهمية في سوريا، والتي تعكس تاريخًا طويلًا وغنيًا يمتد إلى منتصف القرن الثالث الميلادي. هذه المدينة التي كانت مسقط رأس الإمبراطور فيليب العربي (244 – 249 م)، شهدت في عهده ازدهارًا عمرانيًا مميزًا، حيث تلقت رعاية استثنائية وتحولت إلى نموذج للتخطيط العمراني الروماني بفضل تنظيمها الدقيق واحتوائها على العديد من المعالم المعمارية الفريدة.

من خلال الدراسات الأثرية المكثفة، بدءًا من جهود هوارد بتلر في بداية القرن العشرين وصولاً إلى الأبحاث الحديثة التي أجرتها نهى دروس، تم الكشف عن تفاصيل مذهلة حول بنية المدينة ومكوناتها. يتضمن ذلك الأسوار والأبراج، الحمامات، المسرح، الكنيسة، والمعبد الإمبراطوري، مما يضفي على المدينة طابعًا ثقافيًا وتاريخيًا غنيًا يستهوي الباحثين والمستكشفين على حد سواء.

ومع أن المدينة عانت من فترات ركود وتراجع بعد وفاة الإمبراطور فيليب، إلا أن شهبا تظل شاهدًا حيًا على عبقرية الهندسة الرومانية وقدرتها على الصمود أمام تحديات الزمن. إن استكشاف تاريخ هذه المدينة يكشف لنا عن جوانب مثيرة من الحضارة الرومانية وتأثيراتها على الحياة في المنطقة، مما يجعل من شهبا وجهة لا غنى عنها لمحبي التاريخ والثقافة.

تاريخ مدينة شهبا

يعود تاريخ مدينة شهبا إلى منتصف القرن الثالث الميلادي، وتعد مسقط رأس الإمبراطور فيليب العربي (244 – 249 م)، إذ سميت فيليبيوبوليس نسبة له. تلقت هذه المدينة الكثير من الرعاية خلال فترة حكمه، وكانت ذات مخطط منتظم، أسوارها شبه مربعة، تضم شارعين رئيسين متقاطعين بالإضافة إلى الكثير من المباني الأخرى، وتعد هذه المدينة من الإنشاءات المتأخرة خلال العصر الروماني.

الدراسات الأثرية لمدينة شهبا

قام هوارد بتلر في بداية القرن العشرين بدراسة تفصيلية لهذه المدينة، وقد ترك مخططاً عمرانياً لها موضحاً تواجد وانتشار عدد من المباني الثرية المعروفة آنذاك، ومن ثم قام أ. سيغال (A.SEGAL) في الثمانينات من القرن العشرين بإعداد مخطط جديد لهذه المدينة مضيفاً عناصر جديدة إلى المخطط القديم.

المعالم الأثرية في مدينة شهبا

قامت نهى دروس بالاستفادة من المخططات القديمة ومن الصور الجوية والخرائط الطبوغرافية بالإضافة إلى التقارير الأثرية للتقنيات الجديدة بإعداد مخطط جديد للمدينة يتضمن مجموعة جديدة من المعطيات، منها الآثار التي تمت دراستها من قبل هوارد بتلر في بداية القرن العشرين من الأسوار وأبراجها، والحمامات، والمسرح، والكنيسة، والمعبد الإمبراطوري، والمصلبة، والمقبرة في الجهة الشمالية الغربية من المدينة، وبركتين قديمتين، كما يتضمن المخطط الجديد معلومات جديدة عن مبانٍ تم الكشف عنها لاحقاً من قبل البعثة الأثرية الوطنية منها الدار الرومانية التي تضمنت مجموعة من اللوحات الفسيفسائية، شارع قديم محاط بالأروقة، معبد حوريات الماء، بالإضافة إلى ذلك تمت إضافة مجموعة من المباني لا زالت وظائفها غير معروفة.

اقرأ أيضاً:  تدمر: جوهرة التاريخ وأسرار المدينة الأثرية

تخطيط المدينة

بالرغم من حالة الحفظ السيئة للأسوار ، فإنه من السهل تتبع شكل المدينة الذي جاء وفق مخطط شبه مربع، يبلغ سماكة سورها حوالي 3.80 م، حيث يوجد بين كل 30 أو 40 متراً برج مربع يبلغ طول ضلعه حوالي 7.50 م. أما من الداخل فإننا نلاحظ بوضوح الشارعين الرئيسين المتقاطعين، ومن السهل التعرف إلى عرض الشارع الممتد من الشرق إلى الغرب أو ما يعرف بالديكومانوس، ويقدر بحوالي 15 م في الجهة الغربية من المدينة بدون الروقة، أما الكاردو فيمكن تقديره بمقياس مشابه للديكومانوس، وذلك بالاعتماد على عرض الأبواب الرئيسة للمدينة التي تتألف من أربعة أبواب، يقع كل باب في منتصف جدار السور من كل جهة، وتنفتح على الشارعين الرئيسين المتقاطعين، وقد تمت دراسة مقاسات الأروقة والمحلات على طرفيها، مما أمكن تقدير عرض الشارع بحوالي 25 م متضمناً الشارع والأروقة والمحلات. أما المباني داخل المدينة فقد توزعت على الشكل التالي: المسرح الواقع في الجهة الجنوبية من الديكومانوس، أما الحمامات فتقع في وسط المدينة بجوار المصلبة، في الزاوية الجنوبية الغربية منها، ويقع بجوارها معبد حوريات الماء، أما المقبرة فتقع في الجهة الشمالية الغربية من المدينة، إضافة إلى مبانٍ أخرى متنوعة في مواضع مختلفة من المدينة.

تدهور وركود مدينة شهبا

تلقت المدينة الكثير من الرعاية بعد وصول الإمبراطور فيليب إلى عرش الإمبراطورية، ولكن لم تدم بعد وفاته، فتوقفت المشاريع المعمارية لتعيش المدينة نوعاً من الركود في نهاية القرن الثالث، ولا ننسى الظروف التي مرت بها سورية كالأزمات الاقتصادية وحروبها مع الساسانيين، كل هذا كان له الدور السلبي على استمرار ازدهار المدينة ونموها.

 خاتمة

في الختام، تبقى مدينة شهبا رمزًا حيًا لتاريخٍ عريقٍ يحمل في طياته الكثير من القصص والحكايات التي تعكس عظمة الحضارات التي مرت على هذه المنطقة. إن تاريخ شهبا، الذي يبدأ من منتصف القرن الثالث الميلادي ويمتد عبر العصور، يعكس الرؤية الاستثنائية للإمبراطور فيليب العربي وأثره الكبير في تطوير هذه المدينة.

اقرأ أيضاً:  صناعة الفخار والخزف في سوريا: تراث حضاري عريق

من خلال الدراسات الأثرية المتعددة والمخططات التفصيلية، تمكنا من الكشف عن الكثير من المعالم المعمارية الهامة في شهبا مثل الأسوار والأبراج، الحمامات، المسرح، الكنيسة، المعبد الإمبراطوري، والمصلبة. هذه المعالم تعكس تفوق الهندسة الرومانية وقدرتها على إبداع تصاميم متقنة وخالدة.

وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها المدينة، بما في ذلك تدهور الأسوار وتوقف المشاريع بعد وفاة الإمبراطور، فإن شهبا تظل شاهداً على الإرث الحضاري الغني للمنطقة. إن الظروف الصعبة التي مرت بها سوريا لم تستطع أن تمحو الجمال والأهمية التاريخية لهذه المدينة.

إن الاهتمام المستمر بآثار مدينة شهبا ودراستها يسهم في تعزيز الوعي بأهميتها الثقافية والحضارية. إن الحفاظ على هذا التراث الثمين والعمل على ترميمه يعكسان التزام المجتمع بحماية إرثه التاريخي، ويعززان الشعور بالانتماء والفخر بالهوية الوطنية.

في النهاية، تظل مدينة شهبا رمزًا للفخر الوطني والتراث الثقافي الذي يعكس الهوية السورية بأبهى صورها. إن العمل على حماية وترميم هذه المدينة يسهم في نقل هذا الإرث العظيم للأجيال القادمة، ليظلوا متصلين بتاريخهم وفخورين بجذورهم الحضارية العميقة.

 الأسئلة الشائعة

  1. ما هو تاريخ تأسيس مدينة شهبا؟
    • يعود تاريخ مدينة شهبا إلى منتصف القرن الثالث الميلادي، وقد تأسست باعتبارها مسقط رأس الإمبراطور فيليب العربي.
  2. لماذا سميت مدينة شهبا بفيليبيوبوليس؟
    • سميت المدينة بفيليبيوبوليس نسبةً إلى الإمبراطور فيليب العربي، الذي حكم الإمبراطورية الرومانية بين عامي 244 و249 م.
  3. ما هي الدراسات الأثرية الرئيسية التي أجريت على مدينة شهبا؟
    • تم إجراء دراسات تفصيلية على المدينة من قبل هوارد بتلر في بداية القرن العشرين، وأ. سيغال في الثمانينات، ونهى دروس في الفترة الأخيرة.
  4. ما هي أبرز المعالم الأثرية في مدينة شهبا؟
    • تضم المدينة العديد من المعالم الأثرية مثل الأسوار وأبراجها، الحمامات، المسرح، الكنيسة، المعبد الإمبراطوري، المصلبة، المقبرة، وبركتين قديمتين.
  5. كيف كان تخطيط مدينة شهبا؟
    1. كانت المدينة تتمتع بمخطط شبه مربع، مع شارعين رئيسين متقاطعين، وأربعة أبواب رئيسة في كل جهة من أسوار المدينة.
  6. ما هي حالة الحفظ الحالية لآثار مدينة شهبا؟
    • على الرغم من حالة الحفظ السيئة للأسوار، فإن المعالم الأثرية الأخرى مثل المسرح والحمامات والكنيسة والمعبد الإمبراطوري لا تزال محفوظة بشكل جيد نسبيًا.
  7. ما هو تأثير الإمبراطور فيليب العربي على مدينة شهبا؟
    • تلقت المدينة الكثير من الرعاية والتطوير خلال فترة حكم الإمبراطور فيليب العربي، حيث أصبحت نموذجًا للتخطيط العمراني الروماني.
  8. ما هي التحديات التي واجهتها مدينة شهبا بعد وفاة الإمبراطور فيليب؟
    • توقفت المشاريع المعمارية في المدينة بعد وفاة الإمبراطور، وعاشت المدينة نوعًا من الركود في نهاية القرن الثالث، بجانب الأزمات الاقتصادية والحروب مع الساسانيين.
  9. ما هي الأهمية الثقافية لمدينة شهبا؟
    • تعتبر مدينة شهبا رمزًا للتراث الثقافي الغني في سوريا، وتعكس عبقرية الهندسة الرومانية وقدرتها على الصمود أمام تحديات الزمن.
  10. كيف يمكن المحافظة على تراث مدينة شهبا؟
    • يمكن المحافظة على تراث المدينة من خلال الاستمرار في الدراسات الأثرية وترميم المعالم الأثرية، وتعزيز الوعي بأهميتها الثقافية والتاريخية بين الأجيال الحالية والمستقبلية.
اقرأ أيضاً:  أفضل عشرة مواقع تاريخية في سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى