يعرب بدر وزير النقل السوري: عودة الخبرة لإنعاش قطاع حيوي

شهدت سوريا مؤخرًا تعيين المهندس الدكتور يعرب بدر وزيرًا جديدًا للنقل، في خطوة تحمل دلالات هامة خاصة بالنظر إلى خبرته الطويلة وسجله المهني المتميز في هذا القطاع الحيوي . وتأتي هذه الخطوة في ظل حكومة انتقالية يقودها الرئيس أحمد الشرع، مما يضفي على هذا التعيين أهمية خاصة في سياق التحولات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد . إن عودة شخصية تتمتع بخبرة سابقة في تولي حقيبة النقل، بالإضافة إلى مسيرة مهنية وأكاديمية حافلة، تثير تساؤلات حول الرؤية المستقبلية لتطوير هذا القطاع الحيوي الذي يمثل عصب الاقتصاد والتجارة في سوريا.
مهندس مخضرم وخبير في السياسات: الخلفية الأكاديمية والمهنية ليعرب بدر
يتمتع الدكتور يعرب بدر بخلفية أكاديمية ومهنية راسخة في مجال الهندسة والنقل. فقد حصل على إجازة في الهندسة المدنية من جامعة اللاذقية، ثم نال درجة الدكتوراه في علوم النقل من المدرسة الوطنية الفرنسية للجسور والطرق في باريس (ENPC-Paris) . وإلى جانب تحصيله العلمي المتميز، عمل الدكتور بدر أكاديميًا كأستاذ في كلية الهندسة المدنية بجامعة اللاذقية، حيث ساهم في تطوير وتنفيذ مناهج متخصصة في هندسة وتخطيط النقل . كما شغل عضوية مجلس إدارة المؤسسة العامة للمواصلات والطرقية والمجلس الاستشاري لوزارة النقل، مما أكسبه خبرة عملية في إدارة وتنظيم قطاع النقل على المستوى الوطني .
وعلى الصعيد الدولي، يمتلك الدكتور بدر خبرة واسعة اكتسبها من خلال عمله كمستشار إقليمي للنقل واللوجستيات لدى لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) منذ عام 2014 . وقد لعب دورًا محوريًا في تنسيق أنشطة الإسكوا لصياغة رؤية استراتيجية إقليمية لتطوير النقل متعدد الوسائط، بهدف تحسين الربط الحيوي والتكامل الإقليمي بين الدول العربية وبقية العالم . وقبل توليه منصبه الحالي، شغل الدكتور بدر منصب وزير النقل في سوريا خلال الفترة من 2006 إلى 2011، مما يجعله على دراية عميقة بالتحديات والفرص التي يواجهها هذا القطاع في البلاد . بالإضافة إلى ذلك، عمل كأستاذ جامعي في الجامعة العربية الدولية وجامعة القديس يوسف في بيروت، مما يعكس استمرار نشاطه الأكاديمي والبحثي .
إن هذا المزيج الفريد من الخبرة الأكاديمية المتعمقة، والتجربة العملية في إدارة وتنظيم قطاع النقل على المستوى الحكومي، والاطلاع الواسع على السياسات الإقليمية والدولية من خلال عمله في الإسكوا، يجعل من الدكتور يعرب بدر شخصية مؤهلة بشكل استثنائي لقيادة وزارة النقل في هذه المرحلة الحساسة . كما أن ارتباطه بمؤسسات سورية ودولية مرموقة يشير إلى قدرته المحتملة على ربط الاحتياجات الوطنية بالمعايير والممارسات العالمية .
نظرة إلى الماضي: فترة ولاية يعرب بدر الأولى كوزير للنقل (2006–2011)
شهدت فترة ولاية الدكتور يعرب بدر الأولى كوزير للنقل في سوريا (2006-2011) تحقيق عدد من الإنجازات الهامة. من أبرز هذه الإنجازات هو النجاح في خفض عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في سوريا بنسبة ملحوظة بلغت 24% (أو 30% كما ورد في مصدر آخر) بين عامي 2008 و 2010/2011 . ويأتي هذا الإنجاز في سياق تقارير سابقة في عام 2006 كانت تشير إلى ارتفاع معدلات الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في سوريا، مما يسلط الضوء على أهمية الإجراءات التي تم اتخاذها خلال فترة ولايته .
جدول 1: الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في سوريا خلال فترة ولاية يعرب بدر الأولى
السنة | عدد الوفيات (تقديري) |
2005 | 2200 |
2006 | غير متوفر |
2007 | 2818 |
2008 | حوالي 2500 |
2009 | حوالي 2500 |
2010 | غير متوفر |
2011 | غير متوفر |
ملاحظة: الأرقام الواردة في الجدول هي تقديرات بناءً على المصادر المتاحة وقد تختلف من مصدر لآخر.
بالإضافة إلى ذلك، أشرف الدكتور بدر خلال فترة ولايته على تنفيذ عمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) في محطات الحاويات في موانئ طرطوس واللاذقية . كما تم في عهده تفعيل وحدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في وزارة النقل السورية وصياغة استراتيجية طويلة الأجل لجذب الاستثمارات الخاصة في جميع قطاعات النقل . وتجدر الإشارة إلى أن تقارير لاحقة في عام 2008 كانت تشير إلى افتتاح محطة حاويات جديدة في ميناء طرطوس من قبل شركة دولية، مما يعكس الجهود المبذولة في تطوير البنية التحتية للموانئ خلال تلك الفترة . كما تم خلال فترة ولايته طلاء معظم شبكة الطرق المركزية (7000 كم) والقيام بأعمال لتحسين الأكتاف وزيادة عدد الإشارات المرورية . وتم أيضًا إقرار قانون جديد في مايو (من المرجح أن يكون خلال فترة ولايته) لمنع البناء بالقرب من الطرق السريعة الرئيسية وتنظيم الوصول إليها . بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك خطط لزيادة عدد شرطة المرور وتوزيع كتيبات حول السلامة المرورية في مدارس القيادة وتنظيم حملات توعية عامة حول السلامة على الطرق .
تعكس هذه المبادرات والجهود تركيزًا على تطوير البنية التحتية لقطاع النقل من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، بالإضافة إلى إعطاء أولوية قصوى لقضية السلامة المرورية والحد من الحوادث على الطرق . ويبدو أن التركيز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص كان يهدف إلى جذب الاستثمارات وتحديث البنية التحتية، وهو ما قد يكون له أهمية خاصة في ولايته الحالية نظرًا للتحديات الاقتصادية التي تواجهها سوريا.
خبرة إقليمية: دور بدر في الإسكوا ومساهماته في قطاع النقل واللوجستيات في غرب آسيا
منذ سبتمبر 2014، لعب الدكتور يعرب بدر دورًا هامًا كمستشار إقليمي للنقل واللوجستيات في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) . وقد قام بتنسيق أنشطة الإسكوا لصياغة رؤية استراتيجية إقليمية لتطوير النقل متعدد الوسائط، بهدف تعزيز الربط الحيوي والتكامل الإقليمي بين الدول العربية والعالم . وقد شملت مساهماته المشاركة في مشاريع تتعلق بالنقل المستدام وتكنولوجيا وابتكار النقل البري في المنطقة العربية . كما شارك في جهود التخطيط الاستراتيجي لقطاع النقل في الجمهورية العربية السورية بالتعاون مع الإسكوا . وتجدر الإشارة إلى أن الإسكوا لديها استراتيجيات ومنشورات واسعة النطاق تتعلق بالنقل واللوجستيات في المنطقة العربية، مما يشير إلى عمق الخبرة التي اكتسبها الدكتور بدر في هذا المجال على المستوى الإقليمي .
إن عمله المكثف في الإسكوا منحه فهمًا عميقًا للتحديات والفرص وأطر السياسات المتعلقة بقطاع النقل على المستوى الإقليمي . كما أن تركيزه على تطوير رؤية استراتيجية إقليمية للنقل متعدد الوسائط يشير إلى أنه قد يعطي الأولوية لإيجاد حلول متكاملة للنقل في سوريا، تربط بين مختلف وسائط النقل لتحقيق كفاءة أفضل .
قطاع النقل السوري في مواجهة التحديات الراهنة
يواجه قطاع النقل السوري تحديات هائلة في الوقت الراهن، حيث تسببت سنوات الصراع في أضرار جسيمة للبنية التحتية للنقل . فقد تعرضت الطرق والجسور والمطارات والموانئ لأضرار كبيرة، مما أثر بشكل كبير على حركة التجارة وتنقل الأفراد . بالإضافة إلى ذلك، تشكل التهديدات الأمنية والوضع السياسي غير المستقر عقبات كبيرة أمام جهود إعادة الإعمار والتطوير في هذا القطاع . وتزيد حالة عدم اليقين الاقتصادي، بما في ذلك العقوبات والحاجة إلى تمويل إعادة الإعمار، من تعقيد المشهد . كما توجد حواجز لوجستية كبيرة وحاجة إلى حلول نقل متخصصة في ظل الظروف الراهنة . ويعاني قطاع الطيران أيضًا من تحديات خاصة، بما في ذلك المعدات القديمة والعقوبات المفروضة . وقد أثر الصراع بشكل كبير على طرق التجارة والعبور الإقليمية .
إن قطاع النقل السوري يعاني بشدة من الدمار الواسع للبنية التحتية، والمخاوف الأمنية المستمرة، والاقتصاد المتعثر الذي تفاقمه العقوبات . كما أن الحاجة إلى حلول نقل متخصصة في بيئة عالية المخاطر تشير إلى أهمية التركيز على الأمن والكفاءة في أي استراتيجية نقل مستقبلية .
فرص واعدة: آفاق تطوير قطاع النقل في سوريا
على الرغم من التحديات الكبيرة، يمتلك قطاع النقل في سوريا فرصًا واعدة للتطوير. فهناك إمكانية كبيرة لتحديث موانئ مثل طرطوس واللاذقية وتحويلهما إلى مراكز إقليمية للشحن البحري . كما توجد فرصة لتحسين البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات اللوجستية . ومع استعادة الاستقرار، يمكن لسوريا أن تستعيد دورها كمركز لعبور تجاري، خاصة مع دول الجوار . ويمكن لسوريا أيضًا الاستفادة من مبادرات النقل الإقليمية مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية وخط أنابيب الغاز العربي . وقد يساهم تعليق الاتحاد الأوروبي لبعض العقوبات على قطاع النقل السوري في فتح الباب أمام الحصول على المعدات اللازمة .
على الرغم من التحديات، فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لسوريا وبنيتها التحتية الحالية (الموانئ، شبكة السكك الحديدية) يوفران إمكانات كبيرة لتحويلها مرة أخرى إلى مركز نقل إقليمي . كما أن تخفيف بعض العقوبات يمثل فرصة للحكومة الجديدة لبدء إعادة بناء وتحديث قطاع النقل، وخاصة قطاع الطيران .
رؤية واستراتيجية محتملة: توجهات يعرب بدر لتطوير قطاع النقل السوري
من المرجح أن تتشكل رؤية الدكتور يعرب بدر لتطوير قطاع النقل السوري في ضوء خبرته السابقة، ومنظوره الإقليمي من خلال عمله في الإسكوا، والحاجة الملحة لإعادة بناء وتحديث البنية التحتية للنقل التي دمرتها الحرب. فمن المتوقع أن يعطي الأولوية لإعادة تأهيل وتحديث البنية التحتية الحالية للنقل، مع التركيز على الطرق والموانئ وربما السكك الحديدية. كما أن خبرته في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص تشير إلى أنه قد يسعى مرة أخرى لجذب استثمارات القطاع الخاص لتمويل هذه المشاريع. ونظرًا لعمله في الإسكوا، فمن المرجح أن يركز على تطوير نظام نقل متكامل ومستدام، وتحسين الربط داخل سوريا ومع الدول المجاورة. كما أن تركيزه السابق على السلامة المرورية يشير إلى أن هذا سيظل على الأرجح أولوية، مع إمكانية إطلاق حملات وأنظمة جديدة. وقد يستفيد من خبرته الإقليمية لمواءمة سياسات النقل السورية مع المعايير الدولية وتسهيل التجارة والعبور عبر الحدود.
آراء الخبراء والمحللين حول تعيين يعرب بدر وتأثيره المحتمل
تركز معظم المصادر المتاحة بشكل أساسي على الإعلان عن تعيين الدكتور بدر وخلفيته . ومن المرجح أن يُنظر إلى خبرته السابقة كوزير للنقل على أنها عامل إيجابي، حيث تجلب خبرة ضرورية لقطاع يواجه تحديات كبيرة. كما أن فترة عمله الطويلة في الإسكوا يمكن اعتبارها ميزة من حيث فهم الديناميكيات الإقليمية وجذب الدعم الدولي المحتمل. ومع ذلك، قد يشير المحللون إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها، بما في ذلك حجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والأزمة الاقتصادية المستمرة. ومن المرجح أن يعتمد نجاح فترة ولايته على توافر التمويل واستقرار الوضع السياسي وقدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات بفعالية.
على الرغم من عدم وجود تعليقات مباشرة من الخبراء في المصادر المتاحة، فمن المرجح أن يُنظر إلى إعادة تعيين شخصية ذات خبرة مثل الدكتور يعرب بدر بشكل إيجابي من قبل أولئك الذين يسعون إلى الاستقرار والتقدم في قطاع النقل السوري. فنظرًا للحالة المتردية للبنية التحتية للنقل، فإن عودة شخص يتمتع بخبرة وزارية سابقة في هذا المجال تحديدًا من شأنها أن تلقى ترحيبًا. كما أن إلمامه بتحديات القطاع وحلوله المحتملة من فترة ولايته السابقة، إلى جانب خبرته الدولية في الإسكوا، يجعله قائدًا فعالًا محتملًا لهذه الوزارة الحيوية خلال المرحلة الانتقالية.
الخلاصة: رسم مسار لمستقبل قطاع النقل في سوريا
يمثل تعيين الدكتور يعرب بدر وزيرًا للنقل في سوريا عودة للخبرة في قطاع حيوي يواجه تحديات جمة ويحمل في طياته فرصًا واعدة. فخبرته الأكاديمية والمهنية المتنوعة، وسجله الحافل بالإنجازات خلال فترة ولايته السابقة، بالإضافة إلى خبرته الإقليمية والدولية من خلال عمله في الإسكوا، تجعله شخصية مؤهلة لقيادة هذا القطاع في مرحلة انتقالية حرجة. ومع ذلك، فإن حجم التحديات التي يواجهها قطاع النقل السوري يتطلب جهودًا متواصلة وتخطيطًا استراتيجيًا وتعاونًا دوليًا فعالًا لتحقيق التنمية المستدامة والنهوض بهذا القطاع الحيوي الذي يمثل مفتاحًا لازدهار الاقتصاد السوري وتعزيز التكامل الإقليمي. إن نجاح الدكتور بدر في مهمته سيعتمد على قدرته على تجاوز العقبات السياسية والاقتصادية المعقدة، والاستفادة من خبراته الواسعة ورؤيته الإقليمية لرسم مسار جديد ومزدهر لقطاع النقل في سوريا.